ترى مصادر سياسية بارزة أن مسألة الإنتخابات الرئاسية في لبنان ستكون حاضرة بقوة خلال استقبال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للرئيس الإيراني حسن روحاني في منتصف الشهر الجاري في باريس كما تبلّغ العديد من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين من كبار المسؤولين الفرنسيين إنطلاقاً من رغبة قوية لدى الرئيس الفرنسي بضرورة القيام بكل الجهود الممكنة مع الدول المعنية لتحريك هذه المسألة المجمّدة ودفعها إلى الأمام وتخطي كل العقبات القائمة لانتخاب رئيس جديد للبنان بأسرع ما يمكن نظراً لأهمية هذه المسألة في إعادة انتظام الحياة السياسية وتفعيل عمل كافة المؤسسات الدستورية ومنع تآكل الدولة اللبنانية بفعل الفراغ الرئاسي المتواصل منذ أكثر من سنة ونصف تقريباً. إلا أن ذلك لا يعني في نظر هذه المصادر أن إثارة هذه المسألة مع الرئيس الإيراني في زيارته الأولى لفرنسا بعد التوقيع على الإتفاق النووي مع الدول العظمى يعني إخراج ملف الإنتخابات الرئاسية من دوّامة التعطيل المتعمّد من قبل «حزب الله» و«التيار العوني» بقرار إيراني على أعلى المستويات كما دلّت وقائع ومؤشرات الأشهر الماضية والحصول على موافقة من الرئيس الإيراني للقيام بما يلزم لدى الحزب للتوصل إلى صيغة مقبولة داخلياً لاختيار رئيس للجمهورية يرضي كل الأطراف اللبنانيين، لأن هذه المسألة أصبحت ضمن مطامح طهران في الحصول على مكاسب مقابلة من الغرب في أي صفقة محتملة يجري بحثها لتسوية الأزمة السورية وخصوصاً في مكانة إيران المستقبلية ودور حلفائها بالتركيبة السلطوية التي ستخلف نظام الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة المقبلة من جهة وفيما يمكن أن يؤول إليه الصراع الدائر حالياً مع دول الخليج العربي بزعامة المملكة العربية السعودية في اليمن وسوريا والبحرين والعراق من جهة ثانية.

 

وفي اعتقاد المصادر السياسية البارزة فإن النظرة التشاؤمية لعدم إمكانية فرنسا إقناع إيران بإخراج ملف الاستحقاق الرئاسي من دوّامة التعطيل المتعمّدة، لا تعني كذلك بأن الموقف الفرنسي لن يؤثّر في تبديل موقف النظام الإيراني من هذه المسألة، بل على عكس ذلك تماماً، سيؤخذ موقف فرنسا بعين الاعتبار إنطلاقاً من المصالح المشتركة بين البلدين وضمن سياسة الإنفتاح المرتقبة بينهما في المرحلة المقبلة، ومجرّد إثارة موضوع الانتخابات الرئاسية من قبل الرئيس الفرنسي في هذا اللقاء يعني ان فرنسا مهتمة به من ضمن المواضيع المطروحة على جدول المباحثات انطلاقاً من رغبتها بمعافاة لبنان والمحافظة على صيغة العيش المشترك فيه كونه النموذج الوحيد الذي يُجسّد هذه الصيغة بالمنطقة ككل ولا بدّ من الأخذ بالموقف الفرنسي بهذا الخصوص وعدم تجاهله لئلا يؤدي ذلك إلى مزيد من التعقيدات وبالتالي تحميل طهران مسؤولية غير مباشرة بالتدخل وتعطيل الانتخابات الرئاسية.

 

وتلفت المصادر إلى ان إثارة ملف الانتخابات الرئاسية في القمة الفرنسية - الإيرانية المقبلة يعني عدم التراخي والاستسلام في ترك هذا الملف رهينة التعطيل المتواصل في انتظار التسويات المرتقبة التي قد تستغرق وقتاً أكثر مما هو متوقع بكثير نظراً لتشابكات وتعقيدات الحرب الدائرة في سوريا وكثرة الأطراف والدول المشاركة فيها وحرب اليمن وغيرها، بل يؤشر إلى وجود رغبة فرنسية ذاتية وبإلحاح من العديد من الاطراف اللبنانيين على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة وتجنيد العلاقات والمصالح الدولية لتحريك هذا الملف من جموده الطويل ودفعه قدماً إلى الامام لإبقاء لبنان بمعزل عن تداعيات الصراعات الدائرة وتحصينه ضد كل مخاطرها وحرائقها المشتعلة وتمكينه من محاربة ظاهرة الإرهاب التي تنتشر في المنطقة وتهدد دولها ومجتمعاتها بعد أن أصبحت هذه الآفة الخطيرة تحاول العبور إلى الداخل اللبناني منذ تدخل «حزب الله» بالقتال إلى جانب النظام السوري في مواجهة الشعب السوري الثائر ضده قبل ما يقارب الأربع سنوات.

 

وتعتبر المصادر السياسية ان قبول الرئيس الفرنسي ورغبته القوية في طرح ملف الاستحقاق الرئاسي على جدول أعمال اللقاء المرتقب مع نظيره الإيراني يؤشر إلى مدى تأثير إيران وتدخلها في الواقع السياسي في لبنان من خلال ذراعها المعتمد «حزب الله» بالرغم من كل محاولات المسؤولين الإيرانيين التنصل من هذه المسألة وسعيهم الدؤوب لاقناع الآخرين بأن النظام الإيراني لا يتدخل في الشؤون الداخلية للبنان أو غيره خلافاً للواقع، في حين تظهر ممارسات الحزب انه يربط مواقفه وتصرفاته بمستجدات الصراع الدائر في سوريا وغيرها كما أعلن أكثر من مسؤول وقيادي فيه بذلك مراراً.

 

ويبقى السؤال المطروح هو هل ان الظرف مؤاتٍ لإخراج هذا الاستحقاق الرئاسي من دائرة التعطيل المفروضة عليه قسراً؟

 

تجيب المصادر السياسية المذكورة بالقول انه من المستبعد ان تحدث أية اختراقات ملموسة في هذا الملف قريباً بالرغم من كل الاهتمامات والالحاح بإخراجه من حالة الجمود، وقد يستغرق الأمر بضعة شهور إضافية ليتبين خلالها أي اتجاه تسلكه الحرب الدائرة في سوريا على الأقل ومدى جدية وقدرة الدول المشاركة في اجتماعات حل الأزمة السورية على بلورة حل سياسي قابل للتنفيذ في ضوء تضارب المصالح القائمة في ما بينها من جهة ومدى القدرة على منع إبقاء ملف الانتخابات الرئاسية والوضع اللبناني عموماً رهينة المصالح الإقليمية والدولية الإيرانية كما يحصل في الوقت الحاضر من جهة ثانية.

 

وفي ضوء هذه الوقائع لا يبدو ان الإفراج عن ملف تعطيل الانتخابات الرئاسية قريب وأنه سيبقى إلى حين أسير المصالح والرغبات الإيرانية إلى حين تتبدل الوقائع والمعطيات القائمة على الأقل.