لم تتردد وزارة الدفاع الأميركية ومعها بريت ماكغورك، المبعوث الجديد للرئيس الأميركي باراك أوباما إلى التحالف الدولي لمواجهة تنظيم «داعش»، الذي سيحل مكان الجنرال جون ألن منتصف الشهر المقبل، في كيل الثناء للدور الذي لعبته قوات الحشد الشعبي من أجل استرجاع مدينة بيجي الاستراتيجية في وسط العراق. إحدى تغريدات ماكغورك في 21 من الشهر الحالي جاء فيها: «بقيادة القوات الأميركية تقدمت قوات الأمن العراقية وقوات الحشد الشعبي ضد إرهابيي (داعش)، ونحن فخورون بهذه الشراكة، وهذه الوحدات قامت بأداء بطولي، ونحن نتطلع إلى تعزيز شراكتنا معها في هجمات مقبلة».

بيان وزارة الدفاع الأميركية عكس أيضًا تقديرات مايك فيلانوسكي، الضابط المكلف بمهام القوات المشتركة، واستحسان ماكغورك، لقوات التعبئة الشعبية. ومع إشارة البيان إلى أن القوات الخاصة العراقية قامت بالعمليات الصعبة، فإنه لفت إلى أن فرق التعبئة الشعبية، وهي في الأساس «قوات الأمن الشيعية»، كانت هي الأخرى «تقود عمليات».

بعدما قام الجنرال ألن بجولة على العراق ودول أخرى من أجل إنشاء التحالف الدولي لمواجهة «داعش»، وقال: «إن الولايات المتحدة تدعم فقط ما يُسمى بـ(الميليشيات الشيعية المعتدلة) وليس العناصر المتطرفة (...) هذه الميليشيات ليست كيانًا متآلفًا واحدًا، فهناك الميليشيات التي لها علاقات وثيقة مع إيران، وتلك هي العناصر المتطرفة، وليست لدينا أي علاقة معها».

للتوضيح، فإن قوات الحشد الشعبي هذه، والتي أطلق عليها البنتاغون الميليشيات الشيعية، والتي شاركت في تحرير بيجي بقيادة القوات الأميركية، يرأس لجنة التعبئة فيها «أبو مهدي المهندس»، وهو قائد سابق في منظمة «بدر» التي أدرجتها الحكومة الأميركية عام 2009 كإحدى المنظمات الإرهابية العالمية، ووصفت الحكومة الأميركية «المهندس»، واسمه الأصلي جمال جعفر محمد، بأنه مستشار لقاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني».

وتشمل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والتي لقيت ترحيب المسؤولين الأميركيين: «عصائب أهل الحق» ويتزعمها قيس الخزعلي الذي يُعتقد أنه شارك في قتل 5 أميركيين في كربلاء عام 2007، وكتائب «حزب الله العراقي» وهذه مدرجة من قبل أميركا كمنظمة إرهابية أجنبية، و«حركة النجباء» التي دعت أخيرًا إلى طرد القوات الأميركية من العراق ويتزعمها أكرم عباس الكعبي المصنف أميركيًا كإرهابي، وكتائب «الإمام علي» وزعيمها شبل الزبيدي المقرب من سليماني، وكتائب «سيد الشهداء» التي يقودها مصطفى الشيباني المصنف أميركيًا أيضا كإرهابي، و«فيلق بدر» أكبر الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران في العراق.

هذه الميليشيات الشيعية العراقية التي شكلتها وتدعمها إيران تشارك هي نفسها ومجموعات شيعية أخرى من أفغانستان وباكستان في قتال «داعش» و«النصرة»، والمجموعات الأخرى التي تسميها إيران تكفيرية، في سوريا. والمعروف أيضًا أن إيران دولة دينية ثيوقراطية. وكان جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، قال الأسبوع الماضي، إن هناك بداية اتفاق حول سوريا «موحدة وعلمانية».

لذلك كان مستغربًا، وما زال، أن الهجوم السياسي والإعلامي ضد الغارات الروسية في سوريا لم يرافقه أي اعتراض على دور إيران ودور الميليشيات الشيعية و«حزب الله» إلى جانب قوات النظام السوري ضد «النصرة» و«داعش» و«الجيش السوري الحر».

إذا كنا نعتمد على مفهوم المبدأ، فيبدو أن الولايات المتحدة الأميركية مبدئيًا مع قوات الحشد الشعبي (المدعومة كليًا من إيران) في العراق ومع فروعها التي تقاتل بالمفهوم نفسه في سوريا. وبالتالي فإن موقف الولايات المتحدة من روسيا موقف مبدئي، فهي ضد روسيا بشكل تفصيلي وعام حتى لو جمعتهما في بعض الغارات أهداف واحدة وهي تدمير مقرات «داعش».

من جهتها، تحسد إيران على سعادتها. فهي تتلقى الثناء والشكر على دورها في العراق رغم أنها جزء كبير ممن سببوا المشاكل فيه. وتلقى التغاضي عن دورها في سوريا مع العلم بأنها تتحمل جزءًا أساسيًا من مسؤولية هجوم النظام على متظاهري درعا عام 2011. هناك من يبرر بأنه ليس أمام الولايات المتحدة سوى قبول دور الميليشيات الشيعية في العراق، فالعدو المشترك «داعش».

أما بالنسبة إلى سوريا، فيقولون إن الولايات المتحدة صارت مقتنعة ببقاء بشار الأسد في الحكم لمدة عام ونصف العام، فهو «علماني». إذا كان الأمر كذلك فلماذا إذن تم التخلص من صدام حسين (العلماني في العراق) ومن معمر القذافي (العلماني في ليبيا)، خصوصا أن الدول الثلاث تعيش الآن المصير نفسه؟!

حافظ الأسد احتل لبنان وتدخل في القضية الفلسطينية. وورثه ابنه بشار على رأس الاحتلال والتدخل. صدام حسين غزا الكويت، القذافي غزا تشاد وتدخل في مصر. ما الفرق إذن بين الثلاثة؟

الجواب: إيران والاتفاق النووي وما سيليه. فالتركيز الإيراني بعد الاتفاق، وبعد رفع الحصار الدولي، سيكون بالأساس على حزب الله في لبنان، وبالتالي فإن دوره في المقاومة والثورة سيشتد. فإيران بصدد خلع بزة الثورة صوريًا تحضيرًا لرفع العقوبات واستقبال الاستثمارات الخارجية الغربية. يأمر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بتطبيق الاتفاق النووي، ويهاجم الولايات المتحدة وكأنها ليست الأساس في هذا الاتفاق وليست جزءًا من الغرب. ويقوم السياسيون الأميركيون بزيارة الدول العربية لإقناعها بدولة إيرانية مختلفة ستطل العام المقبل.

لكن إيران الحقيقية ستحتفظ بـ«نيران» ثورتها في لبنان. لا تخاف إيران أن يهتف جمهور حزب الله «لبيك نصر الله»، فعبادة الشخص هذه مسموح بها ما دام المجال أمام استمرار ثورتها عبر تصريحات نارية يطلقها أمين عام الحزب مفتوحًا إلى آخر مدى. لم يتردد حسن نصر الله، يوم السبت الماضي، عن القول وكأنه يهدد: «نحن حزب ولاية الفقيه». ثورة إيران التي تم تفويضها إلى حزب الله، وبالذات إلى نصر الله، تستدعي منه أن يصل إلى سوريا والعراق واليمن، وإلى تهديد دول الخليج وعلى رأسها السعودية، كما تستدعي منه الدفاع عن فنزويلا (!).. الثورة التي تطلبها إيران ثورة «انفلاشية» يغطي تأثيرها دولاً عربية عدة فتؤدي إلى هدمها بالحرب، أو تركيز الجهود العربية لمكافحة المد الإيراني، أو ثورة كما الحال في لبنان، أعادته 100 عام إلى الوراء. انتشرت فيه رجعية وتخلف لا مثيل لهما. انتشرت فيه تجمعات ذات كثافة سكانية من فئة واحدة، يجب أن يبقى أبناؤها جاهزين متى ما تم استدعاؤهم.

الفراغ الرئاسي فرّغ لبنان من القرار. ألغى حزب الله رئاسة الجمهورية في لبنان، وألغى الأمين العام للحزب في خطابه الأخير، صباح السبت الماضي، دور مجلس الوزراء عندما دعا فقط إلى تعزيز طاولة الحوار التي يرعاها ويرأسها نبيه بري رئيس مجلس النواب ورئيس حركة «أمل»، ليصبح لبنان بين مطرقة حزب الله وسندان «أمل».

إن لبنان يُسحب من تحت اللبنانيين وأمام ناظريهم، كل ذلك لأن إيران ستتحول ضمن حدودها إلى دولة فيما تبقى ثورتها مشتعلة في لبنان. لكن، قد يكون حزب الله بدأ يلاحظ أنه حتى الذين اعتقد أنهم مسرورون في ربوعه صاروا يفكرون بالهجرة إلى الغرب، حيث لحقت الفاجعة البحرية بعائلة صفوان، أما الناجيان الاثنان فقالا من الضاحية: «هربنا كي يتلقى أطفالنا العلم والثقافة.. فأي مستقبل لنا ولهم هنا؟».

هذا الكلام يعبر عن مشاعر الكثيرين من الشيعة اللبنانيين الذين سئموا خط المقاومة، ودور المقاومة، وطلب المقاومة لأرواح أبنائهم. هؤلاء لبنانيون يرفضون ارتداء الثوب الشيعي الإيراني. لا يريدون تغيير عاداتهم أو تقاليدهم اللبنانية. الجيل الذي صعد مع حزب الله لن يكون له مفعوله على الأجيال اللاحقة.

قال أمين عام حزب الله، يوم السبت الماضي: «إن إسرائيل هي أداة تنفيذية خدمة للهيمنة الأميركية على منطقتنا»، للأسف هذا ينطبق أيضًا على حزب الله في لبنان لإبقاء الهيمنة الإيرانية على المنطقة. لكن هناك نتيجة إيجابية واحدة أنتجها «الربيع العربي»، إذ لم يعد بإمكان حزب، حتى لو ملأ «الساحات والميادين»، إخافة شعب أو التحكم به أو بطائفة بأكملها. لا يمكن العودة إلى الوراء. لجوء عائلة صفوان القادرة ماديًا إلى الهجرة غير الشرعية أكبر دليل على ذلك، ومشاركة شيعة كل المناطق اللبنانية، لا سيما تلك التي تعتبر معاقل للحزب ولحركة «أمل»، بالحراك الشعبي دليل آخر للتطلع إلى مستقبل يختلف عن ذلك الذي يعده به الحزب والحركة.

 

الكاتبة: هدى الحسيني