كشف نقاش إسرائيل مع بنيامين نتنياهو حول الخرافة التي أتحف الإسرائيليين بها، والمتعلّقة بدور مفتي القدس الحاج أمين الحسيني في إقناع هتلر بـ"إحراق اليهود"، حيويةً يجب على المرء أن يحسُد أعداءه عليها. فقد شعرت إسرائيل بأن رئيس حكومتها تولّى تغيير تعريف الدولة العبرية من دولة الناجين من المحرقة الأوروبية إلى دولة الناجين من مؤامرة المُفتي.

 

ذُهل مثقّفون وسياسيون إسرائيليون، وأنتجت مقولة نتنياهو ما لا يُحصى من الأوصاف، بدءاً بعبارة "حرق المحرقة" وصولاً إلى اعتبار ما جاء على لسانه محاولة للهرب من حقيقة أن "الفلسطينيين هم ضحايا لضحايا المحرقة".

 

"هآرتس"، صحيفة النخبة التلأبيبية الأشكنازية تحوّلت منبراً لكتّاب أطلقوا مخاوف تجاوزوا بها السخرية من كذب رئيس الحكومة، وسارعت الصحيفة إلى تنظيم مؤتمرٍ لنقاش المسألة.

 

الروائي الإسرائيلي دايفيد غروسمان قال: "كلنا مصابون بالعجز حيال التلاعب الذي مارسه علينا رئيس حكومتنا. لقد سلّمنا أنسفنا بسهولة، بل بحماسة، لأصداء الماضي، إلى أن أصبح جزءاً من حمضنا النووي الجماعي".

 

الكاتب الإسرائيلي نحاميا سترشلر كتب في "هآرتس" أيضاً: "أعمال القتل، ومحاكم التفتيش والطرد، كل هذا قام به أوروبيون، وليس مسلمون، وبالتأكيد ليس الفلسطينيون. كما أن هتلر بلور فكرة إبادة اليهود عندما كتب «كفاحي» في العام 1923، أي قبل لقائه المفتي بعقدين".

 

يستدعي النقاش الإسرائيلي من مُتابعِه تبصّراً بأحوالنا وبعجزنا عن خوض نقاش موازٍ بأي من القضايا الفعلية التي تمسّ المجتمعات التي نعيش فيها. فالعجز عن مكاشفة أنفسنا بالحقائق الثقيلة التي تعيق اتصالنا بالعالم وبهمومه الفعلية والراهنة هو السمة الرئيسة لوجودنا في هذه المجتمعات. المقدسات تُثقل على أي فكرة جديدة. فديفيد غروسمان تعدّى في مقاله عن القضية اتهام نتنياهو بالكذب إلى اتهام إسرائيل بالانقياد وراء كذبه بـ"حماسة". وفي المقابل هل تجرّأ كاتب عربي على الاقتراب من "داعش" بصفتها ابنة تجربتنا وخبرتنا ومُدننا وعشائرنا؟

 

إسرائيل بنخبها وصحافتها الرئيسة قالت لنتنياهو "إن تأسيس الدولة على ضغينة كاذبة يُنتج مجتمعاً لا نرغب في العيش فيه"، فهل من عبارة عربية موازية؟ ولا نعني هنا النيل من عزيمة الضغينة حيال إسرائيل، إنما الضغينة التي تؤَسس بين الجماعات التي تتشكل منها مجتمعاتنا.

 

هؤلاء ليسوا كتاباً منشقين، وآموس عوز حين كتب عن انتحار أمّه وعن "استحالة العيش في هذه التجربة" كان صهيونياً محبّاً للكيبوتز، وطبعاً لم يتهمه أحد بالتعرض لـ"روح الأمة" على رغم أنه وجّه لها طعنات جوهرية. وهو الآن روائي إسرائيل ونجمها الأدبي.

 

وفي المقابل فإنّ الاقتراب من المقدّس ومن الخرافة سواء في صحافتنا أو في أدبنا وسينمانا، لا أفق له سوى الإنشقاق. هل تذكرون أصبع السيد ملوحة لـ"شيعة السفارة" بسبب خلافٍ سياسي لم يقترب يوماً من المقدّس ولا من الخرافة؟

 

المصدر: ناو