عندما سئل الناطق باسم الرئاسة الروسية عما اذا كانت استقالة بشار الأسد قد طرحت خلال محادثاته مع فلاديمير بوتين، لم ينفِ تمشياً مع مسلسل الاعلانات الروسية التي طالما تمسكت ببقائه، بل قدّم جواباً يبدو أقرب الى تأكيد هذه الاستقالة عندما قال: "مثل هذه التفاصيل طبعاً غير متوافرة..."!

لو لم تكن مسألة استقالة الأسد ومناقشة تفاصيل عملية تشكيل الهيئة التي ستدير المرحلة الانتقالية، قد شكّلت محور محادثات الساعات الثلاث، لم يكن هناك أصلاً من داعٍ لاستدعائه سراً الى موسكو، ولا لمحادثات بدا فيها الأسد وحيداً وربما محاصراً وسط حلقة القادة الروس!
ولو لم يكن قد تم التفاهم على تنحيه وعلى الصيغة التي ستعتمد بعد تشكيل الهيئة الانتقالية، وعلى الأسماء التي ستدخل هذه الهيئة، وأيضاً على المدة الانتقالية ومتى تنتهي، وكذلك على العناصر التي تضمن المصالح الروسية في هذه المرحلة وبعدها، لم يكن بوتين ليسارع بطبيعة الحال الى اجراء سلسلة من الاتصالات الهاتفية الفورية مع زعماء يطالبون برحيل الأسد، كالملك سلمان بن عبد العزيز والملك عبدالله الثاني والرئيسين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان.
واذا كان بوتين متمسكاً ببقاء الاسد كما فهم البعض، هل كان من الضروري ان يتصرف بفظاظة ليبلغ زعماء السعودية وتركيا ومصر والاردن هاتفياً هذا، وهو يعرف أنهم يطالبون برحيل الأسد منذ "جنيف - ١"، وهل يعقل ان يكون نكدياً الى درجة ان يرفع السمّاعة ليقول لسلمان وأردرغان : الأسد باقٍ، أم انه اراد ان يبلغهما فتح باب التسوية السلمية وان الأسد ذاهب وانتهى؟
لا يحتاج الجواب الى تفكير: الأسد سيتنحى، وبوتين أراد قبل وضع عملية التسوية السياسية على طاولة المفاوضات في لقاء وزراء خارجية أميركا وروسيا والسعودية، ان يحفظ نوعاً من اللياقة مع حليفه السوري فيتفاهم معه على التنحي، لئلا يأتي الأمر عبر لقاء رباعي في فيينا يتبعه لقاء خماسي دعا اليه جون كيري!
حتى طهران تعرف ان حليفها الأسد سيتنحى، والدليل أنه حين تتسع الاعلانات الدولية التي توافق على بقائه لفترة انتقالية وآخرها من السعودية وتركيا، وقبل ان ينتهي لقاء بوتين والاسد، كان حسين أمير عبد اللهيان يبلغ صحيفة "الغارديان" ان ايران لا تعمل على ابقاء الاسد في السلطة الى الأبد كرئيس... وانه سيكون له دور في أي عملية سياسية!
مفهوم، سيكون له دور انتقالي بما يعني انه بدأ فور عودته من موسكو بحزم حقائبه، التي سيحتاج اليها قرب قصر بوتين الأسطوري في براسكوفيفكا على شاطئ البحر الأسود... والرحمة للسوريين أحياء وأمواتاً!

(راجح الخوري)