لا الانتخاب الكامل لأعضاء المجلس البلدي، وتحديد “كوتا” لضمان عضوية المرأة في المجالس

إعطاء صلاحيات حقيقية تتعلق بالمسؤولية المالية وإقرار تفرغ أعضاء المجالس

جاء قرار الانتخابات البلدية في السعودية عام 2004م متزامناً مع مجموعة خطوات إصلاحية منها تدشين مبادرة الحوار الوطني وإنشاء مؤسسات حقوقية في البلاد، ونالت الانتخابات البلدية اهتماماً شعبياً وعالمياً كبيراً لكونها أول انتخابات عامة يتم إقرارها في المملكة منذ عقود عديدة.

شكلت انتخابات عام 2004م مجالاً واسعاً لمختلف القوى والاتجاهات النشطة في المجتمع السعودي للتفاعل معها وإبراز موقعيتها على الرغم من منع تشكيل التكتلات الحزبية والجماعية فيها، إضافة إلى تحفظ بعض الجهات الدينية التقليدية من المشاركة فيها. ففي أجواء المبادرات الإصلاحية حينها أحدثت هذه الانتخابات تفاعلاً جماهيرياً واسعاً ومشاركة لم تشهد البلاد مثلها في الدورات التي تلتها. وجرت هذه الانتخابات في أجواء تنافسية شديدة بين مختلف الأطراف، حيث اعتبرت بأنها بداية مسيرة إصلاحية شاملة.

وبالرغم من إن نظام المجالس البلدية التي عملت عليه المجالس إبان تشكيلها في دورتها الأولى عام 2005م، كان صادراً منذ عام 1977م – أي قبل 28 عاماً من بدء عملها، إلا أن حماس الأعضاء الجدد وتفاعل المواطنين معهم حينها أعطى المجالس البلدية فاعلية كبيرة في تعاطيها مع البلديات وقضايا المواطنين. وعلى مدى فترة عملها في السنوات الأربع الأولى قدمت المجالس البلدية المعنية بمهام الرقابة والتقرير في العمل البلدي العشرات من البرامج والمشاريع والخطط التطويرية لأعمال الأمانات والبلديات.

بدأت تبرز إشكاليات حقيقية في تطبيق النظام القديم الذي لم يكن معبراً عن حاجات المرحلة الحاضرة، من بينها أنه أعطى الأجهزة التنفيذية – أي البلديات – حق الاعتراض على القرارات التي يتخذها المجلس وإعادة مناقشتها ثم رفعها لمقام الوزارة في حالة عدم التوافق. إضافة إلى ذلك، فإن رئيس الجهاز التنفيذي كان يحق له أن يكون رئيساً للمجلس البلدي مما يعني الجمع بين الرئاستين وهو ما خلق تناقضاً في الممارسة العملية للمجالس البلدية.

في العديد من المجالس البلدية البالغة 179 على مستوى المملكة، برزت خلافات شديدة بينها وبين البلديات التي لم يسبق وأن تعاطت مع جهات رقابية ذات صلاحيات إشرافية على أعمالها. وبلغت شدة بعض هذه الخلافات إلى استقالة أعضاء مجالس بلدية وإلى تزايد الضغط على الوزارة من الأعضاء للمطالبة بالتدخل ومعالجة الحخافات وتعديل النظام المعمول به. المواطنون من ناحيتهم بدأوا يشعرون بضعف الدور الذي يمكن أن تقوم به المجالس البلدية من حيث قدرتها على التأثير على سياسة وبرامج وأعمال البلديات ومعالجة الفساد فيها، أو تصحيح هياكلها، ومراقبة أدائها بفعالية. وهذا ما انعكس على انسحابهم التدريجي من التفاعل مع المجالس البلدية وضعف الحماس معها. ونظرا لتأخر إقرار اللائحة الجديدة للمجالس البلدية، فقد تم تمديد فترة عمل المجالس إلى سنتين أخريين انتهت عام 2011م بدلاً من 2009م كما كان مفترضاً. ومع ذلك فقد انقضت السنتان دون أن تصدر اللائحة الجديدة، وتقرر أن تقام الانتخابات البلدية للدورة الثانية عام 2011م على أساس النظام القديم لعام 1977م، وهو أمر سبب في تراجع حاد في إقبال المواطنين على صناديق الاقتراع فانخفضت نسبة المشاركة بشكل ملحوظ عما كانت عليه في الدورة الأولى.

الدورة الثانية للمجالس البلدية (2011-2015م) كانت باهتة وضعيفة بكل المقاييس، فقد قل حماس الأعضاء للمساهمة الفاعلة في المراجعة والمتابعة ودراسة مشاريع وبرامج جادة، وانحسر دور المواطنين بدرجة كبيرة، وتغلبت الأجهزة التنفيذية متمرسة في توجيه دفة العمل البلدي وتسييره. أثر ذلك بالطبع على تفاعل المواطنين مع انتخابات الدورة الحالية 2015م والتي بدأ تسجيل الناخبين الجدد فيها قبل شهر تقريباً، فلا يزال الإقبال على قيد الناخبين ضعيفاً على الرغم من أن هناك تعديلات كبيرة تم استحداثها في نظام المجالس البلدية الجديد. يشمل التحديث على توسيع صلاحيات المجالس البلدية وإعطائها شخصية اعتبارية واستقلالاً مالياً وإدارياً، وزيادة عدد الأعضاء فيها، وانتخاب الثلثين بدلاً من النصف، ومشاركة المرأة ناخبة ومرشحة، وتخفيض السن القانوني للانتخاب من 21 إلى 18 سنة. ومن الصلاحيات التي أعطيت مؤخراً للمجالس البلدية حسب النظام الجديد دراسة مشروعات المخططات السكنية، ونطاق الخدمات البلدية، ومشروعات نزع الملكية للمنفعة العامة وضم أو فصل البلديات، والرسوم والغرامات البلدية، وشروط وضوابط البناء ونظم استخدام الأراضي، وكافة الشروط والمعايير المتعلقة بالصحة العامة وإنشاء البلديات الفرعية ومكاتب الخدمات. وعالج النظام الجديد أيضاً إشكالية الجمع بين السلطتين فمنع أن يكون رئيس البلدية رئيساً للمجلس البلدي، حيث أنه لا يجوز انتخاب عضو المجلس المعين بحكم وظيفته رئيساً للمجلس أو نائباً له، ولا يكون له صوت في انتخاب أي منها.

وعلى الرغم من هذه التغييرات المهة في النظام، إلا أن التجربة البلدية بحاجة ماسة إلى إجراءات تطويرية أكثر عمقاً وجذرية من أجل أن تحقق تغييراً ملموساً على صعيد العمل البلدي والمشاركة المجتمعية. ومن بين أبرز هذه الإجراءات ما يلي:

1-      الانتخاب الكامل لأعضاء المجلس البلدي: إن تعيين ثلث الأعضاء من قبل الوزير قد يساهم في معالجة النقص في بعض الكفاءات لدى أعضاء المجلس، إلا أن هناك فرق ملموس بين أداء الأعضاء المنتخبين عن المعينين بسبب شعور المنتخبين بمسؤولية أمام ناخبيهم وتواصلهم معهم وتفاعلهم مع قضاياهم.

2-       تحديد “كوتا” لضمان عضوية المرأة في المجالس البلدية: حيث أنه تم إقرار مشاركة المرأة ناخبة ومرشحة في الدورة القادمة، إلا أنه قد يكون من الصعب عليهن الوصول إلى مقاعد المجلس في ظل التحفظات الاجتماعية وقلة الخبرة والممارسة السابقة. وحيث أن تجربة مجلس الشورى أعطت المرأة 20% من المقاعد، فإنه من المنطقي أيضا أن تحصل المرأة على مثل هذه النسبة في المجالس البلدية.

3-      إعطاء صلاحيات حقيقية للمجالس البلدية تتعلق بالمسؤولية المالية على أعمال البلديات والمشاركة في تقريرها وفي التقييم السنوي لأداء كبار مسئولي البلدية بحيث يتم تفعيل دور حقيقي للمجالس البلدية. كما أن إلغاء حق اعتراض البلديات على قرارات المجلس سيفعل من دور المجالس البلدية.

4-       تفرغ أعضاء المجالس البلدية: نظراً لكون أعضاء المجلس غير متفرغين وللحجم الكبير لأعمال البلديات، فإن عملاً جزئياً كحضور اجتماعات شهرية لا يمكنه تحقيق رقابة حقيقية أو تقديم مشاريع عمل جادة في العمل البلدي.

5-       دمج المجالس المحلية والبلدية: نظراً للتداخل القائم بين عمل هذه المجالس ولكون مرجعياتها الإدارية مختلفة، ولعدم وجود أطر تنسيق مشتركة بينها، فإن العمل على دمجها سيعطيها قوة حقيقية ويفعل من دورها التنموي الموسع.

 

(جعفر الشايب)