بين الانتفاضة الأولى أو انتفاضة الحجارة كما سميت في 8 ديسمبر عام 1987 والتي انتهت في 13 سبتمبر 1993، و هبّة السكاكين والدهس في الشهر الحالي اتفاقية أوسلو، وبينهما أيضاً تغيير في نمط القيادة ، فالانتفاضة الأولى قادتها ونظمتها القيادة الفلسطينية الوطنية الموحدة ، أما هبّة تشرين فيقودها شباب فلسطيني جديد أتى من خارج كل هذا النسيج السياسي التقليدي ، لأن هؤلاء الشبان وخلفهم الشعب الفلسطيني سقط من ضميرهم كل رهان على المفاوضات مع الكيان الصهيوني الغاصب ، و انتقلوا إلى مرحلة هبوب الريح الشعبية الفلسطينية الغاضبة المجبولة باليأس من جميع المتعاطين مع الملف الفلسطيني في الداخل والخارج.

نعم إنّها هبّة السكاكين ما قبل الإنتفاضة ، التي ما عادت تراهن على محور المقاومة والصمود والممانعة ، فالكل انحرف سلاحه إلى غير إتجاه ، و أدار ظهره للقضية المركزية .

فإيران ومحورها غارقون في وحول الأزمات الإقليمية ومعاركها الدامية، و سلاح حزب الله والنظام السوري موجه نحو المعارضة السورية والقاعدة ومشتقاتها، و خلفهما إيران التي تستثمر في الصراعات على امتداد الساحة العربية مستفيدة من واقع جديد أمنّه لها الاتفاق على ملفها النووي مع الغرب ، ومصر غارقة في أحداثها الداخلية مع الإسلاميين في صحراء سيناء. ..والسعودية ودول الخليج العربي منشغلة في معارك دامية على حدودها وفي الداخل اليمني .

في هذا الخضم المتلاطم يمتشق الفلسطيني المقدسي سكاكين المطابخ وسيارات الدهس ، وسلاح الإرادة الشعبية فتفعل فعلها ، وتخط طريقها نحو انتفاضة ستكون بالتأكيد أكثر دوياً من صواريخ إيران المزعومة لإزالة إسرائيل وسلاح حزب الله وجيوش كل العرب المهزومة دائماً على جبهة فلسطين .

إنها هبّة ما قبل الإنتفاضة وشعلة الكفاح الملتهبة ضد الجدار العنصري ، وضد سياسة هدم البيوت والحصار والفقر والبطالة واقتحام المسجد الأقصى وتهويده...

فهؤلاء الشبان هم أبناء الإنتفاضة الأولى وجيلها ، إنهم جيل أوسلو الثائر في وجهه مجتمع الحاخامات الهمجي، جيل الشباب المتمرد على النظامين الرسميين الفلسطيني والصهيوني معاً...

فهبّة الرفض هذه جاءت رداً على كل الاستثمار السياسي فيها والتي يتطلع الشباب فيها إلى تشكيل قيادتها منهم لتصاحب حراكهم وتحوله إلى انتفاضة شرارتها وبدايتها من القدس الصامتة منذ خمسين عاماً ، وآخرها كل فلسطين المحتلة .

وفي البحث عن خصائص هذه الهبّة نستنتج ما يلي :

1 - انها تتجاوز في مضمونها وحركتها كل القيادات الفلسطينية الحالية ، و تنطلق من معاناة جيل متمرد نشأ في كنف اتفاقية أوسلو وما رافقها من ظلم الاحتلال.

2 - جاءت رداً صارخاً على الفشل الواضح الذي أصاب المشروع الوطني الفلسطيني الذي تقوده سلطة محمود عباس .

3 - زمانها ومكانها القدس هذه المرة ، وليس الضفة أو غزة...

4 - اعتمادها على عناصر داخلية ، ولا تراهن على أحد خارج حدود فلسطين.

5 - الشباب عامودها الفقري بمستوى عمري يبدأ من العشرين وما دون.

6-وجود المرأة كعنصر فاعل وأساسي فيها.

7-تحركها من خارج وصاية السلطة الفلسطينية وباقي الفصائل .

 

ومن هنا جاءت هذه الهبّة لتؤسس لبداية انتفاضة عارمة في وجه أميركا وكيري والإحتلال وتخبط السلطة والفصائل ، ولا دور لإيران وحزب الله ودول الخليج العربي في انطلاقتها ومجرياتها .

هبّة عصفت ريحها وولدت من رحم القهر والقمع وهدم البيوت والأمعاء الخاوية في سجون الاحتلال ، لتكشف بكرها وفرها وحجم الشهداء فيها عن عجز الأمن الصهيوني في مواجهتها ، وقد تسقط في مواجهتها ومجرياتها حكومة نتانياهو وعباس معا، ومن الممكن أن تؤسس واقعاً جديداً يحمل معه قيادات ثورية جديدة، سيخسر كل من يقف في وجهها ، ولن تخمد ريحها إلا مع واقع جديد يجبر الصهاينة والمجتمع الدولي على الإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس  .