لم يسبق للطبقة السياسية الحاكمة على اختلاف تلاوينها السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية أن اتفقت على مشروع أو قرار كإتفاقها اليوم على التصويب على الحراك الشبابي ، فالبعض يطلق رصاصاته عليه ويعتبره في حكم المنتهي ، خصوصاً بعد أعمال العنف التي وقعت بين بعض المشاركين وعناصر من القوى الأمنية خلال التظاهرة الأخيرة أمام ساحة النجمة ، بحيث كانوا ينتظرون مثل هذه الفرصة التي يستدرج فيها الشباب إلى مثل هذه المواجهات للقول أنّ الحراك هدفه التخريب وضرب الأمن والاستقرار في البلد عبر مشروع ممول من جهات خارجية .

فمع التسليم بوجود بعض الثغرات في الحراك والتي لا بد من معالجتها إلاّ أنّ القوى السياسية حين اكتشفت أنّ هذا الحراك ليس حزبياً وإن كان يشارك فيه حزبيون ويتسع للجميع قررت الانقضاض عليه ، وكأنّ الهدف كان استدراجه كي لا يكون سلميا ، فأسهل الطرق لضرب صدقيته اتهامه بالتخريب والشغب وتهديد الإستقرار وإلقاء القبض على قيادييه بتهم الإخلال بالأمن والاعتداء على المرافق العامة والخاصة ومن ثم إلهاء شباب الحراك بالمطالبة بالإفراج عن المعتقلين منهم بدل التفرغ للتظاهر والاعتصام للمطالبة بحقوق المواطن الملحة والمرتبطة بحياته اليومية بغية استنزاف اندفاعهم وصمودهم .

والحملة على الحراك تسعى إلى افراغه من عناصر قوته الشبابية ، لكن هذا لا يقلل من أهميته كحركة شعبية استطاعت في مدة قصيرة أن تلفت الأنظار وتستقطب شرائح واسعة من المجتمع اللبناني وترفع شعارات تصيب السلطة في الصميم وتنادي بمطالب لها علاقة بمصالح الناس وقضاياهم لدرجة أن القوى السياسية الممثلة في السلطة حين شعرت أنّ الحراك يمكن أن يحدث بعض الخلخلة في أسس النظام في ضوء عجزها عن حل مشاكل البلد والمواطن ، وأن هناك مشروعية شعبية لمطالبه ، بدأت بهجوم مضاد لمنع الشباب من تشكيل قوة ضغط وكتلة قادرة مستقبلاً على التغيير ، لكنها حتى الآن تبدو عاجزة عن إنهاء الحراك أو وضعه في مواجهة الناس .

والحراك الذي لا يزال يافعاً وغير مكتمل وهو في خطواته الأولى ، من الطبيعي أن يقع ضحية بعض الأخطاء ويتخلله بعض الثغرات المرتبطة بقيادته وبتنظيم الإعتصامات والمظاهرات التي يدعو إليها وبالشعارات التي يرفعها وباليقظة والحذر من العناصر المندسة فيه للتخريب ، ولكنّها بأي حال لا يمكن أن تقاس بالمشاكل والأزمات المتفاقمة التي يعاني منها المواطن كالفساد وتعطيل المؤسسات والمحاصصة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات لحل الأزمات وتسيير شؤون الناس حتى بات تعيين موظف لا يمر إلا عبر المحاصصة .

فالفساد دخل إلى كافة المؤسسات والدوائر ولم يقتصر على القطاع العام بل دخل القطاع الخاص ومن أبواب متعددة منها باب الجامعة والتربية ، وهذا من شأنه أن يشكل حوافز للبنانيين للإنضمام إلى هذا الحراك الشبابي المدني وتوسيع رقعة تحركاته .

وأمام هذا الجبل المرتفع من المشكلات والأزمات المتراكمة والتي ترتفع على قمته أزمة النفايات تبدو الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى هذا الحراك المطلبي .