لا يزال اللبنانيون يتعجبون من مدّة الشغور الرئاسي التي طالت حتى الآن، العام ونصف عام، في حين تراهم قلّما يطرحون على أنفسهم مدة الشغور الرئاسي المزيدة التي تنتظر. فهل يمكن أن يدوم الشغور لسنوات إضافية مثلاً؟ 

مراجعة ما كُتب قبل عام ونصف عام ما كانت توحي بأن الشغور سيدوم كل هذه المدة، والناس اليوم أيضاً، سياسيون وغير سياسيين، يسارعون إلى استبعاد الشغور المديد، رغم كل استفحاله الزمني حتى الآن. يستبعدون .. أو يفضّلون عدم استشراف المستقبل، حتى لو أن كل توقعات الخروج من هذا النفق باءت بالخيبة حتى الآن.

الشغور يمكن أن يمتد لأسابيع، لأشهر، لسنوات اضافية. عام ونصف عام وراءنا يمكنهما أن يحضرا بسهولة لعام ونصف عام أمامنا. طالما أن الإقليم يدخل أكثر فأكثر في حروبه، والتصدعات الكيانية وانفجار المجتمعات، وطالما أن قنوات التحكم الخارجي بمصائر اللبنانيين لاهية عن الاتفاق فيما بينها للخروج برئيس، وطالما أن التعطيل يستولد التعطيل، فإن مدّة الشغور الرئاسي مرشّحة لأن تطول حتى تصير عهداً كاملاً من الغياب. 

هذا «العهد الغائب» هو فترة انتقالية لا يمكن التحكم مسبقاً بمآلها النهائي. القوى السياسية النافذة اليوم قاصرة إجمالاً عن إدراك هذا المعطى الانتقالي، هذا العهد «الشغوري» الذي من الممكن أن يمتد أكثر بكثير مما توقعه أو حذّر منه الأكثر تشاؤماً. الأمر نفسه بالنسبة إلى تمديد البرلمان لنفسه، وبالنسبة إلى حال التصدّع الحكومي. 

اللافت في كل هذا أن هناك من يوهم نفسه بأن ترحيل كل المسائل إلى أجل غير مسمّى يمنحنا قدراً من الاستقرار، طالما لا طاقة لنا اليوم على معالجة أي من هذه المسائل.

اللافت في المقابل من يوهم نفسه بأنه في المقدور تركيب حلّ تسللّي، للنفاذ من جدار الشغور الذي يحيط بنا، بتخريجة من هنا أو من هناك، يمكن على الأكثر تحريك شيء من ركود الأخبار السياسية، لكنها لن تلبث أن تعكّر الأجواء أكثر، وتبقى لحظة في إطار تمدّد الشغور واستعصائه. 

فكرة أن الشغور يمكن أن تُحل مشكلته في أي يوم هي الفكرة التي أطالته عاماً ونصف عام، ينفع التنبه، في المقابل، إلى أن الشغور يمكنه أن يطول لسنوات، وأن البلد سيدفع ثمناً لذلك، ولا يمكنه استمرار تسيير شؤونه من دون رئيس دولة لفترة طويلة اضافية.

ليست هذه دعوة إلى التهويل، ولا هي عزف على وتر الابتزاز تحت التهويل. الوعي بأن الشغور قد يستمر لسنوات يفترض بالأحرى التحرّك. التحرّك إلى مقاربة أكثر شمولية. مقاربة تُعيد الربط بين تعطّل هذه المؤسسة وتعطّل تلك. مقاربة تدرك أن معالجة الشغور الرئاسي غير ممكنة إذا ما أريد فصل هذا الملف عن سواه من ملفات انهيار «اللا نسق» اللبناني، كما عرفناه بأشكال عديدة، حتى الآن. 

الشغور إذا تمدّد لسنوات كارثة. الشغور إذا تقلّص لأضغاث أحلام كارثة أيضاً.