أن يتفق كل من 8 و 14 آذار على إتهام الحراك الوطني بالتسييس ، هي شهادة يكاد يتمناها كل تحرك لبناني ، ولأن الضد بالضد يتمظهر ، فإلتقاء الضدين على رفض الحراك وتوجيهه حيناً للسفارات ، حيناً للموساد ، حيناً لأيادٍ خفية ، هو تأكيد على أحقيته ، إذ عجز أيّ الإثنين  على رمي هذا التحرك في ملعب الآخر ومن ثم إسقاطه شعبياً فإتجهوا إلى جهات دولية وعربية وحتى استخباراتية ...

حتى كاد الحراك يصبح "عميل 1001" ولكن بصيغة لبنانية !

 

إلا أنّ اللافت هو تبني بعض الأحرار هذه التهمة ، ممّا يجعلنا مضطرين لإعادة مراجعة مواقفنا ومفاهيمنا "للحرية" التي لطالما إتخذناها شعاراً وحاربنا من يناهضها ، فهؤلاء وهم ممّن حاربوا الثنائية الشيعية ، والحريرية السياسية ، والوراثة الدرزية وتفرد قطب واحد بالجبل ، نراهم اليوم قد التقوا مع كل هؤلاء في معركتهم ضد الحراك ، ليتحولوا من موقف المعارض للسياسات لمتلاقِ ومنتقد وبلذاعة لتحرك لبناني - عفوي ، يحارب هذه السياسات !

 

ولنأخذ جدلاً في مراجعتنا لهؤلاء أنّ الحراك هو "بو عزيزي" لبنان ، فكيف لمن دعموا الثورات وحملوا راية بو عزيزي "تونس" ، معتبرين "أنّ للحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق" ، أن يأتوا اليوم ولا يكتفوا بإتهام ثورة لبنان المطلبية بالتسييس بل ويبذلون قصارى الجهد لإثبات هذه التهمة ، لا لتنتصر رجاحة عقولهم ، وإنّما لتنتصر الطبقة السياسية جمعاء والتي لسخرية القدر هم كانوا "معارضين لها " !

 

فهؤلاء الأحرار وإن كانوا قد تبنوا كل التظاهرات "خارج حدود لبنان" الثائرة على سلطاتها ، وصرخوا في أكثر من موضع " لتكن ثورة " " ليكن تغيير" ، ولم يذعنوا للتشويهات التي حاول الإعلام "السلطوي" إلحاقها بتلك الأجنة الحرة ، معتبرين أنّ " الحرية لا ثمن لها " !

فهؤلاء وقد اعتبروا بو عزيزي بطل ، وأنّ من إحراق "جسده" ولد وطن ، وآمنوا أن كل الأنظمة آن لها أن تسقط وحان لثقافة الشعوب أن تحكم !

 

ها هم اليوم يحاربون الثورة ، الحرية ، التغيير ، وفي تقييم نقدي لهذا الإنقلاب الذي إعتمده هؤلاء "الأحرار" ، نستخلص أن "المنظرة" قلماً وإعلاماً وصوتاً سهلة ، ولكن عندما تقع الواقعة ، تتجلى الحقائق !

فالحراك ليس شعار يرفع لمرة ولا مظاهرة "فايف ستارز"  أو (بالدارج) "مسيرة أتيكيت" ، وهو ليس بالتالي ساحة للبروباغندا ولخطف الأنظار إعلامياً ، فالحرية "مرّة" ، والتغيير يتطلب حراك مستمر ومجهد ، ولأن "الأحرار - السابقين" ، لم يستطيعوا الإندماج في هذا المولود الصحي إختاروا وأده ، ليسألهم " بأي ذنب " ؟!

 

فإجتهاد هؤلاء لإثبات التسييس ، وذهابهم في هذا الهدف حد التكاتف والإلتقاء مع الفاسدين السابقين ( بالنسبة إليهم) ، يدل على مبدأ واحد :

"نحن مع الحرية طالما تأمن "بريستيجنا" !

"نحن مع الحرية طالما " مش مضطرين ننزل عالشارع" !

 

بإختصار .... "نحن مع الحرية ... طالما ليست لبنانية " !

 

لهؤلاء أقول ، أنتم أحرار ولكن .... ؟!

فراجعوا حريتكم وإن أردتم الإستمرار بالجلوس على مقعد واحد والفاسدين فأنتم بهذا تسلمون بأنّ الفساد "حق" وبأنكم بالتالي مفسدين !

وراجعوا موقفكم ، أو حرية حرية ، أو أنظمة ، فمبدأ "حرية ( فيفتي - فيفتي) " هو تزييف وخداع للذات ومن ثم للآخر ؟

 

فإختاروا أين ستكونون ، أو حرية تساوي حراك ، أو لا حراك يساوي فساد سياسي ، أم أن نقول في آن واحد ، السياسة التي تتهم الحراك بالتسييس هي فاسدة ، والحراك الذي يحارب السياسة الفاسدة هو مسيس ، فكأني أقول :

أنا ابن أمي ، ولكن أمي لم تنجبني !!!!