حلّت الذكرى الـ25 للثالث عشر من تشرين الأول (اكتوبر) كمناسبة استغلّها بطلها السلبي، العماد ميشال عون، لتقديم قراءة مغايرة للحدث، ولابلاغ اللبنانيين من مناصريه وخصومه أن ما حصل في ذلك اليوم لم يكن كما ظنّوا أنه حصل فعلاً. أي أن مَن أخرجه من قصر بعبدا وقتل بضع مئات من عسكريين ومدنيين ليس النظام السوري، بدليل أنه متحالف معه اليوم. فالتاريخ عنده لا يكرر نفسه، ولا جديد في القول إن "الجنرال" لم يعد هو نفسه، رغم أنه يدّعي العكس. والمفارقة أنه اختار لوم اللبنانيين الذين حقد عليهم، وكأن المعركة كانت معهم، أكثر مما لام الذين كانت المعركة معهم وقد سفكوا دماء جنوده ونكّلوا بمن وقعوا أسرى في أيديهم.
يُصادف أن كاتب هذه السطور لم يكن ممن قال العماد إنهم صرخوا في 13 تشرين "اصلبوه، اصلبوه"، بل على العكس تماماً، كان ممن اعتبروا ما حدث جريمة حرب ارتكبها نظام الوصاية السوري ضد لبنان وليس ضد عون فحسب، خصوصاً بما تبعها من انتهاك ونهب لمقر الرئاسة ووزارة الدفاع. وبمقدار ما كان العماد يحاول آنذاك استنهاض الوعي ضد الوصاية والاحتلال، بمقدار ما ارتكب من أخطاء لم يعترف بها لاحقاً، اذ لم يقرأ في "اتفاق الطائف" سوى أنه "مؤامرة" عليه شخصياً، ورفض أن يرى التوافق على انهاء "الحرب الأهلية" أو أن يثمّن المغزى التعايشي للمناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
لعل الذين راهنوا على عون خلال وجوده في قصر بعبدا، وكانوا متعدّدي الطائفة، رأوا فيه مشروع "قائد تاريخي" يمكن أن ينهي الاحتلال والوصاية، لكن الأهمّ أن يحرّر البلد من السرطان الطائفي. ورغم أنه اجتذب القلوب بانتقاده طبقة حاكمة كانت "تزحف أمام الاحتلال"، إلا أنه بعد عودته من المنفى القسري لم يستطع اظهار فارق حقيقي مع تلك الطبقة التي يستنكر بقاءها في الحكم رغم أن "الوصي تغيّر"، كما يقول، في حين أن تحالفه مع الوصيَّين الحالي والسابق لم يوصله بعد الى الرئاسة. وفي الحرب التي يخوضها لبلوغ المنصب، لم يعد يرتكب أخطاء بل خطايا، كتغطية جرائم الاغتيال السياسي وتزكية نظام يقتل شعبه، واستثماره في الانقسام الأهلي، وصولاً الى تعطيله الدولة والعبث بمؤسسة الجيش التي تخرّج منها.
في الذكرى الـ25 فوّت عون فرصة مخاطبة جميع اللبنانيين بقيمه التي كانت ولم تعد. لا شك في أن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة دفعه الى دهاليز لم يتصوّر أحد أن يرتادها، كدفاعه المستميت عن مشروع متخلّف يجعل المسيحي ناخباً للمسيحي حصراً، ثم اتخاذه "حقوق المسيحيين" شعاراً لحملته الرئاسية واستجابةً لرغبة حليفه - "حزب الله"/ الوصي البديل - في تعطيل الدولة والحكومة، وكذلك في مناوراته لفرض نفسه رئيساً توافقياً / غير توافقي.