عرفتها ، ذلك الوجه البشوش، والقلب المنبسط، والضمير الحي. دماثة خلقها تستولي عليك حين تقبل عليها ، تشعر أنها كتلة من مشاعر متأججة ، لكنها في ذات الوقت جبل ... لا يتعداها الكلام ، ويستريح لها الجنان، ويستقر عندها الوجدان. تتحدث بهدوء وثقة، نظراتها عميقة وعيونها وقت الحديث لامعة، تتشرب بابتسامة صادقة ، تنفرج أساريرها مرحبة للصديق فينهمر شلال مشاعرها ترحيبا وتوددا...مستمعة جيدة ، تصغي ولا تقاطع محدثها، لذا تحسن تكوين الرأي والمشورة السديدة. تحسن الصمت في معبد الجمال، وتحسن التفكر والتأمل.
اقترب أكثر من ذلك اليراع الثر ، ستجد نفسك أمام كائن حساس مرهف، وحذار أن تقسو فينخدش فيصعب إصلاح ذلك الموضع.. فهو وجدان شاعرة، وجدان تكون ليعطي الشعر الجميل، الشعر الأنيق الموزون المتزن، فشاعرتنا تنتج شعرا فخم القوام، بالغ الهيبة، يحمل سمات الشعر العربي الأصيل، يحاكي شعر ما قبل الدعوة الإسلامية تارة وما بعدها تارة، لذا تجدك أمام سمات القوة والصلابة والكلمات المعبرة عن البيئة والصفات الأخلاقية ، بل أحيانا تجدك أمام شعر الحكمة يطل منها زهير بن أبي سلمى ، أو شعر الحماسة يطل منه أبي تمام، وأحيانا شعر الفخر يطل منه وجه المتنبي .. إنها الحنكة والجزالة والمفردة الدقيقة الصحيحة، والوزن والقافية المتألقة تأمل جيداً قصيدة يا سيد الحلم وهي القصيدة الفائزة في مسابقة الجواهري الشعرية كم فهيا من تلك السمات:
قرعت باب القوافي هزني الرد
الشعر أقفر لما أقفر المجد
يتيمة أحرفي دار الزمان بها
هل غادر الحب واستشرى بها السهد
هل ضاع مني قناديل أواعدها
أم في مآقي الليالي شرد الوعد
حيرى أنا ورمال العصف تمطرني
ووابل من جنون الريح يشتد
يا شعر .. يا سيد الأحلام كيف هوت
شمس العروبة والأيام تسود
ولكن مضامين شعرها مضامين حديثة تواكب وتعاصر هموم المواطن العربي وقضاياه المعاصرة. كما تجد عنصر الجمال عنصرا بارزا في قصائدها. لا تكاد تلمس أثراً للصنعة والتكلف في قوالبها الشعرية رغم التزامها النهج الخليلي والشعر العمودي. انظر إلى مضمون قصيدة رنَّة الذهب وهي تتغنى للنبان معشوقتها وأهلها الأوفياء:
صوت الإباء دوى في صدري الرحب 
فصرت كالناي في ترجيعة القصب
أمر فوق كتاب الكون قافية 
تُغري خيال بنات الشعر والأدب 
أرمي الحروف على أوراق ذاكرتي 
لو مسّها قلمي في البال تلتهب 
والحسن يُشغلني في وهج طلعته 
يُضفي علي نقاب الثلج والسحب 
فأستحيل جناحا طاف في أفق 
يختال بين سماء العين والهدب 
أحيانا أشعر أن لاسم هتاف علاقة قوية بطبيعة شعرها .. تقرأ القصيدة كأنها تنادي قومها ، تنشد العزة والكرامة والنبل في أمتها، تقول شاعرتنا في مطلع قصيدة القدس والحرم مخاطبة أخيها العربي ومسمعة العالم:
إملأ دواتي .. وخطَّ اليوم يا قلمُ
ما يُسقِطُ البرق .. أو ما تُشعِل الدّيمُ
إملأ دواتي ببالي سيلُ ملحمةٍ
تبركنُ الأرضَ .. فلتشهدْ ليَ الأممُ
وتخاطب شعب لبنان بحب وتشوق:
لبنان قلبي .. وشرياني ونبض غدي
فالمجد ينهل من أبنائه النجب
على المرابض أُسْدٌ في الوغى صرخوا 
يا أرزة الخلد في وجداننا انتصبي
وقد عبر الأستاذ الأديب محمد توفيق صادق عن مضمون اسم هتاف بكلمات تستحق أن يشار اليها هنا:
"هتاف بالنسبة لي جرس إنذار .. إنذار مفعم بأسمى عطر في الوجود
وهو عطر القلب ,, عطر العاطفة وعطر الإحساس الراقي 
هذا الوجه الملائكي النبيل يحمل أسمى معاني الحب والحياة وأنا ذاك الشاعر المتوقد عروبة وثورة شعرت وللوهلة الأولى بأن ذلك الوجه سيكون لي واحة سلام وسلم ولكن .. ويا للهول !! فقد فوجئت بأن ذلك الإنذار القلبي كان إنذارا ثوريا .. عربيا .. رفيع القيم والأهداف .. عنده تحول جمري إلى آتون ناري ,, إلى بركان يتفجر قيما وسموا وعروبة ..
لله درك يا هتاف ... لأنت هتاف القلب النبيل ولأنت هتاف الأمة الذي يرن في أذني كل آن" .

ومن اسم صادق، اشتقت منه أبرز سمات شعرها، فتجد أن شعرها يتسم بالصدق ويخلو من المبالغات الممعنة في البعد عن الواقع .. مبالغاتها تجسيد للواقع، بل تجعلك تعيش الواقع في قالب شعري فني جميل. تأمل كلماتها ومبالغاتها وهي ترسم لك موقفها من ثورات الشعوب العربية تنتفض على الظلم والجور والطغيانن فتقول في قصيدتها، غضب:
غضبٌ غضبٌ غضبٌ عاتي ,,, فجّر بركان َ الثوراتِ 
واعصف ريحاً .. واقدح شرراً ,,, آهٍ من هول المأساة 
عيناهُ النار يؤججها ,,, لهبٌ في ساح الثاراتِ
إذن فشاعرتنا عروبية الهوى ، قومية الاحساس تنتصر للحق وتناصر المظلوم ، وتحب بني قومها وتتغنى بهم وبأمجادهم، في قصيدة "آت أنا نيل" تفجر الجمال شوقا لذلك الرمز الأثيل:
آتٍ أنا يا نيل
صهو الهادر العاتي
أشعل دماء المدِّ
واغسل قلب مأساتي
آتٍ أنا يا نيل
طوفاناً وعاصفةً
أجتثُ من كفيك
أشواك الخيانات
وأخيراً فإن شاعرتنا هتاف لم تترك غرضاً شعريا إلا وطرقته ، فقصائدها الكثيرة تنوعت وتوزعت لتتناول كل غرض شعري يخطر على بال شاعر أو متذوق، فطرقت باب الغزل والحماسة والمدح والرثاء و تمددت في حب الوطن والغيرة عليه والحث على التحرر والعزة والكرامة واسترداد الحق السليب. كما زخر شعرها بالإشادة بالدين والحث على الفضائل، نقتطف لك من قصيدة "سبحان من سواك": 
إحرص ولا تدن الأمور مغاليا واقدم على الطاعات عبدا راضيا
واشمخ بذكر الله في رأد الضحى وانعم بفضل الله عمرا زاهيا
واسبح عميقا في كتاب شاءه رب البرية ان يكون الهاديا
ما انت الا نطفة مخلوقة سبحان من سواك خلقا وافيا
أما الشعر السياسي فلا ينفك لدى شاعرتنا هتاف عن حب الوطن، ففي كل قصيدة وطنية سياسة، وفي كل قصيدة سياسية حب للوطن، بل أن ملامح غربتها ، هي غربة الوطن عن مبادئه وأهدافه وقيمه وعزته، فهي لا تشعر بغربتها المكانية الزمانية إلا بقدر شعورها بغربة وطنها وحسرتها على ضياع القيم ، ودهشتها من ممارسات الحاكمين غير المسئولة، نقتطف هذه القطفة من قصيدة"الزمن المر":
في ظلمة الذل , غاب النور والبصر
وغاب عن ليلنا الأحلام والسمر
من قال إن سماء العرب وارفة
وبين نجم ونجم يزدهي قمر
من قال إن كلام الله وحدنا
سودا وبيضا وفينا الإفك والكفر
من قال إن دمانا بيننا حُرُم
والمال والعرض يرمي فيهما البشر
صرخت من ألمي ,, صوتي يغص صدى
وبحر صمتي براكين الألى انفجروا
حكامنا عهّروا أجيالنا وبغوا
وكل حلم لهم بالذل معتمر

تلك هي هتاف صادق الشاعرة التي أحببتها، واحترمتها، ورافقتها دون أن التقيها واستمتعت بأدبها وخلقها. لن تفي هذه الوقفة المستعجلة شيئا يذكر من حياتها الشعرية المليئة، إن ذلك يحتاج إلى المجلدات وإلى الجهود المتكاتفه.
فتحية لشاعرتنا النبيلة، القلم الثر والينبوع الزاخر المعطاء.