كثرت التحليلات بشأن التدخل العسكري الروسي الواسع على الساحة السورية، لا سيما بعد حشد الطائرات والمدرّعات وراجمات الصواريخ الحديثة ، والبدء ببناء قواعد حربية هامة على الساحل السوري ، والحيرة لفّت جميع الأوساط والمحللين المعنيين والمتابعين لهذا الشأن .

 

والسؤال الكبير والمطروح بإلحاح وينتظر من التطورات المتلاحقة الإجابة عنه هو :

ما هي الأسباب الحقيقية للصحوة الروسية المفاجئة بحجمها عسكرياً ، وهل لذلك انعكاساته السلبية على إيران وحزب الله اللذين سبقا روسيا في تدخلها سوريا ودفعا أثماناً باهظة ثمناً لذلك؟؟!!

لعلّ إيران وحزب الله هما الخاسران الكبيران في ذلك لاحقاً لأنّهما انخرطا باكراً في النزاع العسكري المباشر لإمتلاك هذه الورقة إقليمياً لكنّهما في الواقع كانا يعملان في خدمة المشروع الروسي الذي كان على ما يبدو بحاجة لبعض الوقت كي تنضج الظروف للتدخل الروسي المباشر .

وعلى هذا الأساس بدد تدخل روسيا أحلام إيران في امتلاكها لوحدها للورقة السورية واستثمارها إقليمياً ودولياً بعد توقيع الإتفاقية على ملفها النووي مع أميركا والغرب، فجاء الطبل الروسي ليغطي على (زمر) الإيراني ...

فروسيا أصبحت الآن اللاعب الأعظم في سوريا والمندفع بقوة لتحقيق مصالح جيوسياسية تتمثل بما يلي :

مصالح اقتصادية استراتيجية تتعلق بتصدير الغاز إلى أوروبا لتحقق من ذلك عوائد اقتصادية هامة وضخمة ، هذا وسقوط سوريا بيد الدب الروسي يهدف إلى منع مد أنبوب غاز من قطر عبر السواحل السورية ، إضافة إلى أنّ العيون الروسية ليست ببعيدة عن الغاز الإيراني إذ تريد أيضاً السيطرة عليه والتحكم به.

وما يؤكد ذلك أنّه وفي العام 2013 وقعت شركة سيوز نفط غاز الروسية عقداً للتنقيب عن النفط والغاز في الإمتداد البحري بين بانياس وطرطوس لمدة 25 سنة، ولا يخفى كذلك بأنّ المصافي الحديثة في سوريا تقع في بانياس كما في حمص التي تدور حولها معارك بين النظام والقوات الإسلامية المعارضة له...

 

وهنا يجب ألا ننسى حجم الصراع المباشر بين الولايات المتحدة الأمريكية والروس في سوريا على مصادر الطاقة الذي أتى مباشرة بعد دراسات أميركية توصي بأن يكون استغلال الثروات النفطية والغازية في سوريا على أيدي شركات أميركية ، وأخصها الشركة التي اكتشفت حقول الغاز في فلسطين المحتلة والتي يعود تمثيلها في الدوائر الرسمية الأميركية للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون .

من هنا يسعى الأميركيون لأن يكون تطوير الموارد في شرق البحر المتوسط تحت سيطرتهم وأن يؤدي إلى تصدير الغاز نحو تركيا ومن ثم إلى أوروبا ، فتكون النتيجة تقلص الدور الروسي وعدم تمكنه من الهيمنة على هذه الموارد ...

على هذا الأساس يجب النظر إلى الموقف الروسي المتنبه لأهمية المنطقة استراتيجياً على صعيدي إكتنازها للموارد النفطية والغازية، و كونها معبر إلزامي للغاز القطري والإيراني ولاحقاً المكتشف كما تشير الدراسات الأميركية قبالة بانياس وطرطوس ، ليأتي التدخل العسكري الروسي الكبير لإحباط أيّ مخطط أميركي في السيطرة على مصادر وممرّات الغاز .

 

أخيراً ومن السذاجة بمكان اعتبار التدخل الروسي المدوي جاء لإنقاذ الرئيس الأسد ونظامه ، فالدول لا تحكمها غراميات شخصية بالزعماء وأنظمتها في شرقنا المتهاوي ، فالأسد ليس إلا ورقة في الملف الإقتصادي الكبير الذي تتصارع عليه أميركا وروسيا الإستعمارية المستجدة على الساحة الدولية ، وبذلك سيظل الأسد سجينا في مغارة الدب الروسي ريثما تأتي ساعة التخلي عنه بعد نضوج طبخة الحل ...

 

 

الناشط السياسي والنقابي : حسن مظلوم