لم تتحوّل العلاقات العراقيّة-الأميركيّة بعد عام ٢٠٠٣ إلى شراكة استراتيجيّة قويّة وعميقة، على الرغم من الدور الأميركيّ الحاسم في إعادة صياغة النظام السياسيّ الجديد في العراق، ومع توقيع الجانبين اتّفاقيّة الإطار الاستراتيجيّ، في 2008 التي لا يبدو أنّها وجدت ظروف تطبيق مثاليّة، لبنودها التي تتضمن تحول الولايات المتحدة من صفة "محتل" إلى شريك استراتيجي للعراق ، ودعم الوزارات العراقية في مجالات أمنية واقتصادية ودبلوماسية وثقافية.

 

كان التداخل والتدافع الإقليميّ في العراق، وأيضاً فشل الساسة العراقيّين في إنتاج علاقات متوازنة مع جميع المكونات العراقية، ومع دول الجوار، ودخولهم نظام الانحياز من أسباب الفشل في التأسيس لعلاقة شراكة استراتيجيّة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة.

 

لكنّ الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فلقد وضعت اللبنة الأولى للعلاقات العراقيّة–الأميركيّة في شكل خاطئ حين تعاملت الولايات المتّحدة الأميركيّة مع العراق كنقطة انطلاق لمحاربة محور الشرّ في المنطقة والذي كان يقصد به سوريا وإيران بعد اجتياح العراق.

 

وأيضا أريد من العراق أن يكون منطلقاً لنشر الديمقراطيّة في المنطقة. فأدّى ذلك إلى اثارة المخاوف الإقليميّة مثل السعودية، فقد صرح رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي في 2012 وكان نائبا في البرلمان وقتها، بان "السعودية تخشى الديمقراطية في العراق".

 

كان تحوّل الجوار الإقليميّ ، بحسب تصريح النائب عن ائتلاف دولة القانون عباس البياتي في 2013 إلى طرف معادٍ لبناء عراق ديمقراطيّ فاعل ومستقلّ، أنتج اتّفاقاً نادراً لدى القوى الإقليميّة المتباينة في أهدافها وأنظمتها على إفشال التجربة العراقيّة، فقد اتهمت صحيفة الدستور العراقية في 2014، دولا بالسعي إلى تخريب الانتخابات كنوع من المقاومة الإقليميّة للرؤية الأميركيّة لتغيير منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من العراق.

 

وكانت النتيجة أن أصبحت أيّ علاقة راسخة بين بغداد وواشنطن مكلفة بالنسبة إلى الحلفاء الإقليميّين للولايات المتّحدة الأميركيّة من جهّة، والحليف الإيرانيّ للحكومة العراقيّة من جهّة أخرى. وجاء الانسحاب الكامل للقوّات الأميركيّة عام 2011 بمثابة الإعلان الرسميّ عن نهاية مشروع العلاقة الاستراتيجيّة المميّزة بين الطرفين. ولكنّ الجانب العراقي لم يشعر بالنتائج والتداعيات الخطيرة لهذا التغيير إلّا بعد اجتياح "داعش" العراق في 10 حزيران/يونيو 2014.

 

لقد واجه العراق بروداً وعدم حماس من الجانب الأميركيّ في دعمه العراق أمام خسارته لثلث أراضيه خلال أيّام. هذا إضافة إلى الشروط العلنيّة التي وضعتها الولايات المتّحدة الأميركيّة لتقديم المساعدة المحدودة للعراق، ومنها تنازل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عن ترشّحه لولاية ثالثة، واتّخاذ خطوات جادّة من قبل الحكومة العراقيّة الجديدة في مشروع المصالحة الوطنيّة.

 

هذه الإرادة الأمريكية تجسدت في تصريحات لمسؤولين أمريكيين في 19 حزيران/يونيو 2014، فقد قالت السناتور الديمقراطية ديان فاينشتاين رئيسة لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ "بصراحة.. حكومة المالكي يجب ان تذهب إذا أردت أي مصالحة."

 

وحث السناتور الجمهوري جون مكين، أوباما، أمام مجلس الشيوخ،على مساعدة العراق، عسكريا، شرط أن يوضح للمالكي أن "وقته انتهى."

 

وعلى الرغم من تحقّق قسم كبير من الشروط الأميركيّة مع تسلّم رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي منصبه في 12 آب/أغسطس 2014، لم يشهد الجانب العراقيّ الاهتمام الذي كان ينال أميركا في فترة ما قبل انسحاب القوّات الأميركيّة.

 

ويمكن تلمّس الحماس الأميركيّ بمجيء العبادي، حيث صرّحت مستشارة الأمن القوميّ الأميركيّ سوزان رايس في 15 آب/أغسطس 2014 بأنّ "هذه تطوّرات مشجّعة نأمل في أن تضع العراق على مسار جديد وتوحّد شعبه ضدّ التهديد الذي يمثّله تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام، وستظلّ الولايات المتّحدة ملتزمة بشراكة قويّة مع العراق والشعب العراقيّ".

 

وقد سعى العبادي خلال فترة إدارته الحكومة العراقيّة إلى أن يقترب من وجهات النظر الأميركيّة، متطلّعاً إل كسب دعم أكبر من الولايات المتّحدة الأميركيّة. وكانت أبرز الإجراءات وأصعب الخطوات التي قام بها وفق هذا المنظور هو إلزام قوّات الحشد الشعبيّ بالانسحاب من تكريت في 28 آذار/مارس 2015 رضوخاً للجانب الأميركيّ الذي اشترط تقديم المساعدة الجويّة للعراق في تحرير تكريت بذلك.

 

كما استمرّ العبادي في كبحه لجموح قوّات الحشد الشعبيّ في الأنبار، على الرغم من أنّها دخلت الأنبار بطلب منه في الأساس في 18 ايار/مايو 2015، ضمن رؤيته لتقريب وجهات النظر الأميركيّة والإيرانيّة في مقاتلة تنظيم "داعش".

 

يشعر الجانب العراقيّ حاليّاً أنّه على الرغم من قيامه بإلاصلاحات المطلوبة للجانب الأميركيّ، إلّا أنّ الدعم الأميركيّ له في محاربته لتنظيم "داعش" ما زال لم يبلغ المستوى المطلوب. فقد اشتكى وزير الخارجيّة العراقيّة ابراهيم الجعفري في 9 أيلول/سبتمبر من قلّة الجهد الدوليّ في دعم العراق، وحضر العبادي في 28 سبتمبر/ أيلول 2015، اجتماعاً دعا إليه الرئيس الأميركيّ باراك اوباما على هامش أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة حول موضوع الإرهاب في الشرق الأوسط، حيث طالب العبادي خلال الاجتماع من دول التحالف تنفيذ التزاماتها إزاء العراق المقرّرة العام الماضي في مختلف الجوانب العسكريّة والخدماتيّة والإنسانيّة.

 

وأضاف الجعفري أنّ العراق في حاجة إلى خطّة مارشال في إشارة إلى الخطّة الشاملة لإعمار أوروبّا من قبل الولايات المتّحدة الأميركيّة بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية.

 

ويتطلّب ما دعا إليه الجعفري أن يعيد كلّ من العراق والولايات المتّحدة الأميركيّة رؤيتهما تجاه العلاقة الثنائيّة بينهما، وأنّ على العراق أن يسير نحو صناعة قرار مستقلّ وقويّ يفرض نفسه كشريك للولايات المتّحدة الأميركيّة في مجال المصالح المشتركة للبلدين وعلى رأسها محاربة الإرهاب. وعلى الولايات المتّحدة الأميركيّة ألّا تتعامل مع العراق كطرف ضعيف كما في الماضي، وتاريخ سيّء يجب العبور عنه والتخلّص منه، لأنّ الأهميّة الجيوسياسيّة للعراق تفرض على شركائه الدوليّين تتقدّمهم واشنطن عدم تجاهله أو التعامل معه ضمن إرادات سياسيّة للقوى الإقليميّة ذات التأثير.

 

وأخيراً، تظهر متابعة العلاقات العراقيّة-الأميركيّة بعد عام 2003 أنّها متى أصبحت ضعيفة وهامشيّة، قد تفتح ذلك الباب لدخول أطراف خارجيّة أخرى من جهّة، وأيضاً تسبّب خسائر للمصالح المشتركة العراقيّة والأميركيّة في المنطقة. وعليه، يحتاج العراق والولايات المتّحدة الأميركيّة إلى إعادة تقييم علاقتهما من أجل بناء علاقة استراتيجيّة قويّة تساعد على إعادة التوازنات بين القوى في المنطقة وتضمن المصالح المشتركة للطرفين.

 

 

مصطفى الكاظمي

 

ALMONITOR