يدعو ميشال عون ما تبقى من مناصريه في الحادي عشر من الشهر الجاري إلى التجمع والتظاهر ، وهذه المرة أمام قصر بعبدا ، الذي كان قد فرّ منه هارباً كالغزالة في نفس هذا التاريخ تقريباً قبل 25 عاماً، يوم 13- 11 - 1990 ، يوم أوصلت سياساته الرعناء وجنون الأنا عنده إلى تقسيم البلد المقسم أصلاً، وتهديم ما تبقى من خلال إعطاء العذر للقوات السورية يومها بشن هجوم عسكري كاسح على مقره من أجل وضع حد لتمرده ، متسبباً بإستشهاد عشرات من خيرة الجنود والضباط في الجيش اللبناني .

ومنذ ذلك التاريخ وإلى اللحظة والجنرال الهارب من قلب المعركة لم يصدّق بأنّه أجبر على ترك القصر الرئاسي نهائياً ، ولا زال يبني كلّ طموحه وكلّ أدائه السياسي ويرسم شبكة تحالفاته فيخاصم من يخاصم أو يهادن من يهادن فقط وفق هذا الحلم العقدة المتمثل بالعودة مرة ثانية إلى قصر بعبدا ، ولو من باب الوعود العرقوبية .

ومشكلة هذا الجنرال الكبرى أنّه لم يتعلم حرفاً واحداً من تجاربه، فهو كمن يعيد نفس التجربة بنفس مقدماتها ولكنه ينتظر نتيجة جديدة ، حاله كحالة أيّ مريض نفسي يتحرك من خلفية عقدية ، فلا يعد يرى الأمور إلاّ من زاوية واحدة فيفتقد بعد ذلك أي إمكانية لوضوح المشهد ولا تسمح له ظروفه بتلمس الوقائع الموضوعية والتعاطي معها بعقلانية .

ويجمع الأطباء النفسيين بأنّ المرضى المصابين بمثل هذه الحالات إنّما يتصرفون وكأنّ الزمان متوقف عند لحظة تكوّن العقدة الأساسية ، وإنّ هذا الزمن المتوقف لا يستطيع العودة إلى الدوران إلاّ بعد أن يعود هو إلى مكان الفجيعة ، وعلى ضوء هذا التشخيص العلمي يمكن أن نفهم كيف أنّ الجنرال عون يتصرف وكأنّه لا يزال في 13-11 - 1990 ، وأنّه هو الآن القائد الفعلي للجيش ويحق له بأنّ يمارس صالحياته القيادية ، غير واعٍ  لكل التبدلات والتحولات من حوله ، أو قُل أنّه لا يريد أن يعترف بها .

فإذا علمنا بأنّ ميشال عون في تلك  اللحظة ( الصدمة ) قد تحوّل إلى ما يشبه الطفل الذي يخسر أحب الألعاب إلى قلبه فيملأ  الدنيا بكاءً ولا يمكن أن يهدأ روعه إلا بإسترجاعها، فكيف إذا كان الجنرال قد خسر أهم لعبتين عنده بنفس اللحظة ، لعبة رئاسة الجمهورية ، ولعبة قيادة الجيش ، وأنّ شغله الشاغل هو إعادة اللعبتين إليه .

أما "اللعبة الثانية" ( قيادة الجيش ) فعبر السعي الجنوني إلى محاولة إعطائها لصهره العميد شامل روكز ، ولو أدّى هذا السعي إلى خلخلة وتهديم البنية التراتبية للجيش اللبناني ، كما شرح اليوم العميد المتقاعد جورج نادر المقرّب من ميشال عون ، والذي أوضح  وبالتفصيل خطورة ما يُحكى عن صفقة ترقيات مفتعلة وتدابير عسكرية تطال هرمية الجيش فقط كُرمى لعيون صهر الجنرال ، ممّا يردّنا مرة جديدة إلى الوقوف مطوّلاً على كل ادعاءات ميشال عون والتبجح بحرصه على المؤسسة العسكرية ، والتأكيد للمرة الألف أنّ المؤسسة وجنودها وضباطها جميعاً وبالخصوص الضباط الموارنة ( غير الأصهرة طبعاً ) ليس لهم أيّ قيمة فعلية عند الجنرال ، فكما تركهم أول مرة في ساحة المعركة للنفاذ بنفسه وبعائلته ، هو حاضر اليوم أن يرمِيَهم على قارعة الترقيات فقط للوصول بصهره إلى قيادة الجيش  .

وأمّا  "اللعبة الأولى" عند الجنرال وهي الأحب على قلبه ( كرسي رئاسة الجمهورية ) ، فهو حاضر بأن يستعين بشياطين الجن والإنس من أجل " استردادها "، وإنّ أيّ لحظة يمكن أن تقربه خطوة بإتجاه معشوقته المسجونة في قصر بعبدا سوف لن يألو جهداً بالإقدام عليها ، حتى ولو كان هذا الإقتراب مجرد اقتراب مكاني وغير حقيقي ، ومن هنا فأنا أتوقع حضوره الشخصي في التظاهرة الموعودة أمام قصر بعبدا فقط من أجل إشباع شهوة الإقتراب من المحبوبة .

لذا تثبت الأحداث يومياً بأنّ الجنرال الولهان عشقاً لمعبودته ، قد تخطّى بحبه للكرسي النائمة في قصر بعبدا المرصود وبما لا يقاس عشق روميو لجولييت أو قيس لليلى ، وأنا على يقين بأنّ ميشال عون لو كان يجيد الشعر لقال في كرسي الرئاسة  ما لم يقله مالك بالخمرة .

وفي الختام لا يسعنا أن نقول للجنرال العاشق إلا ما قاله نزار قباني : لكن سماءك ممطرة ... وطريقك مسدود ... مسدود ... مسدود

 لذا فعلى اللبنانيين أن يرفضوا مهزلة واقع الإستمرار بتحمل لعنة الآثار النفسية ليوم 13 تشرين وعدم الإكتفاء بإنتظار اليوم الذي يقضي الله فيه أمراً كان مفعولاً .