بغض النظر عن الأسباب والسياسات والظروف التي أدّت إلى هذا الوجود التكفيري الكثيف في سوريا وعن الجهة أو الجهات التي سهلّت هذا الإنتشار الكبير للجماعات الإرهابية على أغلب الأراضي السورية وشكلّت إحدى نتائجه أكبر عملية نزوح سوري باتجاه الخارج منذ الحرب العالمية الثانية .

فإنّ هناك حقيقة واضحة فرضت نفسها على أرض الواقع تتلخص في أنّه أصبح من الضروري بمكان محاربة هذه الجماعات التكفيرية التي تحمل فكراً تدميرياً لكل شيء كالمغول والتتار بفكرهم العدمي حتى يتمّ ضربهم والقضاء عليهم لإخراجهم من المعادلة السورية ، وبعدها يبدأ البحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية وسيكون الأسد بالتأكيد في موقف أضعف ممّا هو عليه الآن ، ولن يستطيع أن يتهرب من مسؤولية ما حدث لسوريا من خراب ودمار وقتل وتهجير خلال الأربع سنوات الماضية .

فالمواقف الغربية التي كانت في السابق تدعو إلى رحيل الأسد كأولوية لأيّ حل سياسي لسوريا تبدلت اليوم بشكل واضح وصارخ بتصريحات مناقضة للسابق حيث كانت تؤكد بأنّه لا دور للأسد ، ليصبح الآن له دور في المرحلة الإنتقالية بعد أن وضعت معظم الدول الغربية القضاء على جماعات التطرف وتنظيمات التكفير في سوريا كأولوية قبل الإطاحة به .

وكما بات واضحاً فإنّ روسيا وجدت في الأزمة السورية مدخلاً  للعودة بقوة إلى المنطقة فأرسلت طائرات مقاتلة وأسلحة متطورة إلى الرئيس السوري بشار الأسد تحت عنوان محاربة الإرهاب ، إلاّ أنّ ذلك لا يعني تورطاً عسكرياً وانغماساً في الحروب السورية ، وهو ما أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال حوار تلفزيوني أجراه مؤخراً و صرّح عبره بعدم إرسال الجنود إلى سوريا.

 

كما أنّ الدور الروسي قد يساعد في إيجاد مخرج للأزمة السورية إذا نجحت موسكو في التعاون مع واشنطن في فرض مرحلة انتقالية ، ويبدو أنّ هناك أطرافاً في واشنطن تمهد لذلك خصوصاً بعد الإعلان عن أنّ اجتماعاً للاعبين الرئيسيين يشمل دول المنطقة وروسيا والولايات المتحدة الأميركية سيعقد الشهر المقبل حول سوريا ، ومن جانبه أكدّ الرئيس الأميركي باراك أوباما استعداده  للعمل مع روسيا وإيران حول سوريا .

وعليه فإنّ المطلوب من الأطراف العربية التي ستشارك في الإجتماع الدولي حول سوريا هو أن ترسخ رؤيتها لحل الأزمة السورية وأن تكون مستعدة لإرسال قوات في حالة الإحتياج إلى ذلك لحماية أو فرض السلام ، فلا يجب ترك التواجد العسكري على الأرض لكل من إيران وتركيا . 

فروسيا التي تريد لعب دور إيجابي في الأزمة السورية وهي لديها مخاوف من المتطرفين (من جمهوريات روسية سابقة ) الذين يذهبون للقتال في سوريا ، فإنّ هذا لا يضير الأطراف العربية التي تريد المحافظة على سوريا في إطار المنظومة الإقليمية العربية .

فالإجتماع الذي اقترحته موسكو بمشاركة واشنطن يظهر أنّ الفرصة المتاحة في الوقت الراهن للبدء برحلة البحث عن حل للأزمة السورية ، وإن كانت رحلة شاقة  .