هي مضيعة لوقت الجميع في العالم اليوم أن تتواصل المناقشة العبثية إن كان ثمة حلّ للمسألة السورية، ومخرج من الحرب السورية مع أو من دون بشار الأسد. 

فالمسألة ليست أخلاقية فقط. ليست مسألة تبييض صفحة مجرم حرب، ومجرم ضد الإنسانية. المسألة أبسط من ذلك. 

طالما أن بشار الأسد موجود في سوريا فليس هناك أمل ولو بهدنة يوم واحد أو وقف إطلاق نار في سوريا. يمكن للحرب السورية أن تستمر حتى ولو حذف الأسد نعم. لكن حرباً سوريّة من دون بشار الأسد يمكن أن تصير حرباً متقطعة، حرباً بجولات، حرباً يمكن إطفاؤها في المناطق السورية تباعاً، والوصول الى رزمة تفاهمات تؤدي للعبور تدريجياً نحو السلم الأهلي، وعودة اللاجئين، والعدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية، والمكافحة الجدية والناجعة للإرهاب. 

استمرار وجود بشار الأسد يعني استمرار الطابع التناحري المطلق للحرب الأهلية السورية. الاستغناء عن هذا الوجود كفيل وحده بتطبيع هذه الحرب مع السيطرة السياسية، الداخلية والخارجية، على مسببات الاشتعال، والتبريد التصاعدي للجبهات، وصياغة الشروط الأولية، الصعبة جداً، لإعادة توحيد البلاد إنما على أسس جديدة، تجمع بين إنهاء الحكم الفئوي الشمولي الدموي، وبين إقرار التعددية بكافة أبعادها، الاثنية والدينية والجغرافية كما السياسية. 

لقد سخفت إدارة الرئيس باراك أوباما تلك الفكرة الصائبة، فكرة أن لا حل إلا برحيل الأسد، وجعلتها تبدو كفكرة متقادمة، فكرة تفتقد الى الواقعية السياسية، الى حد أن معيار الجرأة الواقعية صار عند بعض القادة في أوروبا محاباة الموقف الروسي من حلّ «يتضمّن» استمرار الأسد. 

فالجانب الأميركي سارع الى إعلان دعمه الثورة لتصير محسوبة عليه في سجالات الممانعين من دون أن يكون دعمه لها حقيقياً ومنهجياً، وهو ما يعود أيضاً لمشاكل المعارضة السورية نفسها. لكن الجانب الأميركي لم يكن على المستوى المطلوب من رد الفعل بعد انطلاقة خيار القمع الدموي للسوريين، ولم يتحسس كثيراً أمام استخدام النظام الأسدي سلاح الجو ضد مواطنيه، وفي هذا سلّم الأميركيون ورقة كانوا احتفظوا بها منذ نهاية الحرب الباردة، بأنهم يعاقبون «الدولة المارقة» تحديداً حين تزج بسلاح الجو ضد مواطنيها. بعد ذلك حوّل أوباما التحشيد ضد النظام على خلفية القصف الكيماوي في الغوطة الى مناسبة لإنقاذ النظام في مقابل تدمير الترسانة الكيماوية، ثم دخل في سياسة غير موفقة أخرى، بتوهمه أنه يمكن أن يشنّ حرباً جوية وصاروخية على تنظيم «الدولة» من دون أن يستهدف النظام الأسدي، ومن دون أن يتحمّل التنسيق اللوجستي معه أيضاً. كذلك لم تتحرك الإدارة بالشكل الكافي على خلفية تدفق الخبراء والفرق الروسية على سوريا. في شرق أوكرانيا تظهر الإدارة موقفاً ضد الروس أكثر شجاعة مما تظهره في سوريا.

لا حل من دون الأسد، يقول فلاديمير بوتين.

لا حل من دون رحيل الأسد، يجيبه أوباما. 

وتدور الكأس بين هذا وذاك، يتواصل تدمير المجتمع السوري، والنزيف السكاني الحاد. هذا النزيف يصوب السؤال: لا حل من دون رحيل المتسبب في سياسة أميركية خاطئة جداً في المسألة السورية. لا حل في سوريا إلا برحيل باراك أوباما وبشار الأسد.