إستناداً لنهج "فرق تسد" ، يعمد بعض سياسي لبنان إلى التغلغل في بنية الحراك المطلبي عبر التمثّل به وبمطالبه من جهة ومن ثم تبني توجهه بل وإجتراره من جهة ثانية ، ليس إيماناً منهم به ولا بما يرفعونه من شعارات وإنمّا للعمل عى تفكيك أواصره  ، حتى يسود فسادهم ويستمر حكم الطغيان ...

 

وهذه السياسة بدأت تتبلور علنياً ، فما إن إستثمرت طلعت ريحتكم أوجاع الشعب ونالت وكالته الشرعية للمطالبة بها ، علّت العديد من الأصوات المشابهة وتفرعت أرزة الحملات ، إلا أنّ اللافت في هذه الطفرة الطبيعية وغير المضرّة ، هو حراك بخلفية حزبية - سياسية !

فقدامى الشيوعيين واليساريين وجدوا في هذا الجنين الطري الفرصة لإقتناص أمجاد جديدة ، والعودة من هامش السياسة إلى واجهتها من جديد منطلقين من لوائح الشعب والمواطن والمطلبية .

 

فبعد أن أنبثقت طلعت ريحتكم من فوهة الغضب الشعبي ، ليولد طفل الثورة في ساحاتها وينضج مع تظاهراتها  ،  ظهرت في الإتجاه المتقاطع - المتلاقي  حملة "بدنا نحاسب" ، هذه الحملة التي تحركها يد الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة وبعض مناصريه ، ويتلطّى خلفها كل من شربل نحاس ونجاح واكيم وسواهما من العائدين من أجندة الشيوعية واليسارية التي أصبحت في غابر التمثيل السياسي القوي .

 

مطالب الحراك وإن كانت بدشداشة شعبية بحتة غير أنّ الخيوط التي تمّ تظهيرها به "هشّة" و "مسيسة" ، فيتعارض الظاهر مع الباطن ، وتصبح الشعارات لا تنطبق على العقلية الحزبية التي يتمثل بها كل من شيوعي ويساري بدنا نحاسب ؟!

 

ومن جهة أخرى ، تحوّلت التحركات الميدانية لهذه الحملات من يد جامعة إلى "دكانة كل مين على حسابه " ، فبعد أن شكّل صوتهم الواحد ومشاركتهم المتكاملة قوة شعبية متحدة ضد الفساد ، إنتقلوا إلى مرحلة الإنشقاق عن المناخ اللبناني العام وتفرعت تحركاتهم في غياب تام للتنسيق ، ولعلّ هذا الأسلوب الذي ترتهن له التحركات الحالية هو ما خططّ له سياسي الحملات المندسة لكسب الثقة بنزاهة شعاراتهم وبأنّ قدامى السياسة ليسوا بفاسدين وإنما هم فرسان قد أشهروا السيف ضد الفساد .

 

ما نطرحه هنا ليس انتقاداً ولا انتقاصاً لـ "بدنا نحاسب" ولا دفاعاً أو تفضيلاً لـ "طلعت ريحتكم" ، وإنّما ما نطرحه هو دعوة لفصل الشعبي في الحراك عن السياسي وللتبرئة من الشيوعيين واليساريين ليعودوا إلى خط "كلن يعني كلن" ، وهو الخط الذي تجتهد لأجله طلعت ريحتكم راجمة كل إسم سياسي وكل صورة لزعيم قديم كان أم جديد !

 

كما أنّ التحركات المستقلة تضعف بنية الحراك ممّا يصب في ميزان الفاسدين ، ويجعل الشعب يتساءل أو يتردد عن دعمه لهم ؟

ولحماية الزخم الشعبي الكبير والواسع الذي حققه جنين الحراك المدني في لبنان ، نوجّه دعوة لعودة الحملات إلى " الفطرة " نافضة عنها جراثيم التسييس ، وبقايا الأحزاب القديمة ، وتعدد المسميات ، لتندرج جميعها تحت صفة "كلن يعني كلن" في تنسيق متكامل يثبت أن اللبنانيين قادرين على التغيير ... وسيغيرون !