لا شكّ أنّ زيادة التواجد العسكري الروسي النوعي الجديد في سوريا بحجة مكافحة الإرهاب وحماية الخبراء والمواقع الروسية يساهم حتماً في إطالة الأزمة في بلاد الشام ويضيف على أسباب التوتر الدولي عنصراً جديداً قد يزيد أمر التفاهمات الدولية تعقيداً ، وإن لم يصل إلى مرحلة التصادم الروسي الأميركي .

والدخول الروسي الجديد على خط الأزمة السورية بهذا الحجم الكبير يتجاوز ادعاء موسكو الحرص على بقاء الأسد في السلطة في أيّ حل سياسي ليصل إلى مستوى تحقيق هدفين ، الأول يتعلق بالإحتفاظ بنفوذها على البحر المتوسط عبر القاعدة البحرية في طرطوس سواء بقي النظام السوري أو تغير وتغيرت معه سوريا نفسها أو تقسمت فيحمي هو المنطقة الساحلية .

الثاني هو اعتماد الورقة السورية للمقايضة في مواجهة الضغوط المتزايدة على موسكو بفعل الأزمة الأوكرانية .

ففي الأشهر الأخيرة ارتفع منسوب القلق الروسي من التطورات التي يمكن أن تحصل في سوريا ، وشعر الرئيس فلاديمير بوتين أنّ البساط قد يسحب من تحت مصالح روسيا القديمة والحيوية في سوريا سيما وأنّ إيران بعد الإتفاق النووي مع الغرب قد تستدير في مصالحها باتجاه الدول الغربية.

وفي دمشق بدا الرئيس بشار الأسد يائساً عندما قال أنّه يواجه صعوبات في عديد جيشه وأنه ينسحب من مناطق معينة إلى مناطق أكثر أهمية ما يعني أنه إعلان تمهيدي لقيام دولة الساحل العلوية ما يوحي بخسارة روسيا لقواعدها على الشاطىء السوري بعدما عجزت عن الإحتفاظ بكل سوريا بعد عجز الأسد عن إستعادة سيطرته على كامل سوريا .

وفي طهران التي غصّت شوارعها بتظاهرات الإبتهاج بعد توقيع الإتفاق النووي ارتسمت أمام بوتين صورة مقلقة لأنّه يعرف أنه على رغم كل ما يقال عن الشيطان الأكبر فإنّ الإيرانيين لن يلبثوا أن يستديروا غرباً .

وفي السياق فإنّه مع ازدياد التورط العسكري الإيراني في سوريا وخصوصاً بعد معارك القلمون والزبداني أحسّ الروس أنّ طهران قد ترث مصالحهم في الدولة العلوية ، لهذا قرر بوتين أن ينزل بقوة عسكرية متزايدة في اللاذقية وطرطوس تحت غطاء الحديث عن محاربة الإرهاب .

الأمر الذي أدّى إلى انزعاج إيراني واضح وصريح من النزول العسكري الروسي في سوريا بهذا الحجم النوعي والعددي ، وهو ما عبّر عنه الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني عندما قال صراحة أنّ الجيش الإيراني هو القوة الرئيسية لمكافحة الإرهاب في المنطقة التي عليها ألا تعتمد على القوى الكبرى ونحن ساعدنا سوريا والعراق على مكافحة الإرهاب.

أما الولايات المتحدة الأميركية فإنها قد ترى في دخول روسيا عسكرياً بهذا الحجم النوعي والهائل في الحروب السورية مزيداً من الإنزلاق الروسي في الوحول السورية ، وهو ما يكلف موسكو غالياً سواء كان هذا الدخول لمحاربة الإرهاب أو لمنافسة الإيرانيين على الإستئثار بالجبنة السورية ، خصوصاً وأنّ أيّ حل سياسي لسوريا لن يتم إلا بوصاية أميركية وبشروطها .