لم ينخرط جمهور المقاومة وحزب الله في الحراك ، ولم يبدِ السيد موقفاً واضحاُ منه كما ولم يحاول سياسو كتلة الوفاء للمقاومة استثمار المطالب ، فكان الصمت سياسياً حزبياً هو سيد ردود الفعل للحراك .

ومقابل هذا الجمود السيو-حزبي والتعليقات الخجولة المقتضبة التي اضطر لقولها بعض الوزراء والنواب المحسوبين على حزب الله تفادياً لإحراج تجاهل الجو المسيطر ، كان الشارع مهتاج من أنصار نصر الله وجمهوره حتى كادت صورة للسيد بين "الفاسدين" أن تؤدي بكارثة "ربما تصل حد المذهبية"  ليجبر المتظاهرون وأبناء الحراك وحتى الإعلاميون على نزعها مرغمين لأن "السيد ممنوع حدا يدق فيه" ولأنّه " كلو إلا السيد"

 

هذه الشعارات والمواقف التي حرّمت المس بنصر الله وعرضه في قوافل الطبقة السياسية الفاسدة أخذتنا لتكوين فكرة مبدأية لموقف الحزب من الحراك وأنّه في إطار تعارض معه ومع وسائله ولا سيما أنّ الأقلام والمقربين من حزب الله والمقاومة لم يترددوا في رمي الإتهامات على شباب الحراك  لتتصاعد الهجمات  وتخرج من أفق اتهامهم بالتسييس من قبل 14 آذار إلى اتهامات وصلت إلى حد العمالة لأميركا ، والتطبيع مع إسرائيل ، هذا وتم الحديث كثيراً عن الفتنة والمذهبية لبعض الناشطين ناهيك عن تسليط الضوء عن مصادر تمويل مريبة وضلوع بعض السفارات .

إضافة إلى هذا فإنّ موقف عون من الحراك جعلنا نتيقن أنّه مبارك من الحزب ، فالحزب دعم التظاهر العوني الذي جاء في ذروة الحركات المطلبية "اللبنانية" ، دعمه بالصوت والسياسية والزخم الشعبي ، ممّا كرَس فكرة أنَ حزب الله حاضر في شارع حليفه ومؤمن بتظاهرات ميشال عون إلا أنّه لا يعترف بالحراك وغير مستعد للخوض فيه ولا للنقاش في ظاهرته .

 

ومن ناحية أخرى فنصر الله لم يستنكر اعتداء شبابه على الناشطين والمتظاهرين والإعلاميين بسبب الصورة ممّا يعني أنّ عبارة "كلو إلا السيد" مدعومة منه ، وأنّ حملة "كلن يعني كلن" لا تشمله ولا يمكن أن تشمله وهذا ما تأكّد لنا من خلال مقابلته يوم أمس إذ أعتبر هذا الشعار ظلم  ، ممّا يعني أنّه وحليفيه بري وعون ليسوا من طبقة الفاسدين و "كلن" لا تشملهم ...

 

غير أنّ اللافت يوم أمس هو أن السيد للمرة الأولى خرج عن صمته وقال ما لم نتوقعه عن الحراك ، فإعتبر المطالب محقة وأنه هو مهتمٌ وحزبه بها بينما الاعتكاف عن المشاركة إنّما هو لحماية هوية الحراك المطلبي وحتى لا يتم تصويره على أنه حراك لحزب الله !

 

السيد نصر الله حاول يوم أمس استثمار الحراك دون اسثتماره ، وإقصاء النفس عن الأصوات التي تتهم الطبقة السياسية والحزبية بأكملها بالفساد عبر إبداء الرغبة للإنخراط بها لولا الخوف عليها ...

هذا الموقف "الوجداني" قولب صورة الحراك ، وأظهر كم أنّ حزب الله يتعامل معه بلا مبالاة ؟

فدعوة جمهور الجنوب للمشاركة به ليست لدعم السيد ولا للهتاف له وإنّما ضده ، وضد حلفائه وجميع السياسيين ...

 

نصر الله أراد القول لجمهوره "نحن مع الحراك ، طالما الحراك معنا" ، و "تظاهروا مع الناشطين ولكن ضد الجميع إلا نحن " ، وممّا لا شكّ فيه أن تعاطي السيد مع الحراك بعد كل هذه الفترة الزمنية من الصمت بهذه الصورة ينّم عن ذكاء لا جدال فيه ، ولكن الشعب اللبناني بلغ من الوعي ما لم يعد يقع في مخالب الدهاليز الحزبية الضيقة ...

فهذا الموقف من السيد لن يبرر شيء لأن الهدف ليس مباركة حزب الله للتظاهرات المطلبية بل اقتناعه وجمهوره أنّه ضمن الفاسدين والإعتراف بهذه الحقيقة والتعايش معها ، كما أنّ الهدف الأسمى هو خروج شعب المقاومة من قيود الثنائية الشيعية إلى الوطنية التي تهتف ضد الجميع وضد السيد حتى ؟

 

حسن نصرالله قال للحراك "أنا معكم" ولكن الحراك لن يكون معه ، وهذا الموقف القائم على تحريك العواطف لن يغير من حقيقة "كلن يعني كلن" وأنّ الفساد لا يُستثنى منه أحد !