الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان تشعر بقلق شديد هذه الأيام ليس بسبب إرتفاع حدّة الخطاب الطائفي والتحريض المذهبي ، فرموزها أرباب هذا الخطاب ، وليس بسبب الخوف من الفتنة المذهبية ولا عودة الحرب الأهلية ، فمعظم رموزها هم رموز للحرب الأهلية والفتنة المذهبية، وليس بسبب الأزمة الإقتصادية، فرموزها هم سببها وبفضلها يجمعون الثروات الطائلة على حساب الوطن والمواطن، وليس بسبب  النفابات المتكدسة في شوارع المدن والقرى ومجاري الأنهر، فالطبقة الحاكمة تستثمر في النفايات وتخترع الأزمات بهدف الفوز بقسم أكبر من المحاصصات، وليس بسبب هجرة الشباب لأنهم السبب المباشر لهجرتهم....!!!

أكثر ما يقلق هذه الطبقة الحاكمة هو إرتفاع نسبة الوعي عند اللبنانيين وإدراكهم لحقوقهم وواجباتهم ومصالحهم وإطلاعهم على ما يجري داخل المؤسسات ومعرفتهم بخفايا الصفقات والسمسرات وإصرارهم على المراقبة والمحاسبة في الشارع بعد أن تعذّرت المحاسبة داخل المؤسسات بسبب التعطيل والتسكير وعدم إجراء إنتخابات نيابية ورئاسية، لذلك شكّل الحراك المدني الذي إنطلق بسبب أزمة النفايات المعيبة والمستمرة حتى اليوم ، مصدر قلق لكل أحزاب السلطة ، حيث نجح هذا الحراك الشعبي في ملامسة هموم الناس والنطق بإسمهم وإستطاع كشف شبكة الفساد المستشري  في مؤسسات الدولة، وأخذ على عاتقه أن يطالب بحقوق الناس البديهية برفع النفايات من الشوارع وإيجاد حلول مستدامة لهذه الأزمة المعيبة وحلّ أزمة الماء والكهرباء ووضع حد للفساد والإفساد ووقف عمليات الهدر والسرقة في المؤسسات والخروج من منطق الصفقات والمحاصصة في كل الملفات .

وما يزيد من قلق الطبقة الحاكمة أنّ هذا الحراك مؤلف بأكثريته المطلقة من مواطنين مستقلين أو خارجين من أحزابهم وعليها بسبب تقاعسها في حلّ الأزمات المتراكمة .

هذا الوعي الذي يعبر عنه الحراك المدني ، أخرج الفريقين المتخاصمين من ثيابهم ووضعهم في خندق واحد في مواجهته تخويناً وتشكيكاً وضرباً مبرحاً ودعاوى قضائية مشبوهة ومعيبة وإستخدموا لغة حاقدة تحتقر الناس  وتسخّف قضاياهم  وتستخفّ بعقولهم ، بسبب بعض الممارسات الخاطئة التي حدثت على هامش التحركات الشعبية ، فإتخذوا منها  حجة للهجوم على الحراك بكليته وشيطنته وشيطنت كل من يشارك فيه، ولم ينتبه المشككون بوعي الناس بأنّ هذا الوعي نفسه أطاح في العام ٢٠٠٥ بالنظام الأمني السوري اللبناني المشترك ، الذي كان يظنّ  بأنه من خلال المنع والقمع والإغتيالات يستطيع إسكات الشعب اللبناني وإخضاعه إلى الأبد ، لكنّ وعي الشعب اللبناني يومها ونزوله إلى الشارع ورفعه مطالب وشعارات واضحة وإصراره على تحقيقها بإرادة لا تنكسر، أجبر جيش النظام السوري على الخروج من لبنان مهرولا" وأخرج أيتامه من السلطة صاغرين .

فحذاري التمادي في قهر الناس وقمعهم وتجاهل حقوقهم والإستخفاف بوعيهم وبإرادتهم وبقدرتهم على المحاسبة.