إنّ أحداً لم يكن يتوقع أن تفجر أزمة النفايات في الشارع اللبناني حركة شعبية مطلبية تتخطى حدود الإنتفاضة لتلامس جدران الثورة وإن لم تكن حتى اللحظة تمتلك كافة مقوماتها وظروفها الموضوعية.

وليس من المبالغة في شيء القول أنّ هذه الأزمة قد عادت بالبلد الصغير الغارق في آلاف الأزمات وآلاف المشاكل والذي كان يطلق عليه يوماً /سويسرا الشرق/ ويقال عنه / هنيئاً لمن له مرقد عنز في لبنان/ إلى العصور الوسطى حيث يقف عاجزاً بكل مؤسساته عن معالجة هذه المشكلة التي تطال كل بيت بأساليب تقنية حضارية دون أن تترك أي آثار بيئية سيئة على المناخ وعلى المواطن ، وبالتالي ليس في الأفق ما يشير إلى نهاية وشيكة لهذا الوضع المأزوم .

فهذه الحركة الشعبية سرعان ما تحوّلت إلى حراك شعبي وتوسع ليصير أشبه بصحوة عارمة جمعت كل أصحاب الهموم والمواجع والآلام في تجمعات شعبية ضاقت بها ساحتي الشهداء ورياض الصلح.

وقد كشف هذا الحراك عمّا يعاني منه اللبنانيون وعمّا يختلج في صدورهم على اختلاف طبقاتهم وطوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم من أزمات ومطالب تمثل الحد الأدنى من الحياة الكريمة للشعب اللبناني.

واللافت أن أزمة النفايات وعجز السلطات اللبنانية عن معالجتها فتحت الباب أمام تحرك دولي جديد باتجاه لبنان لم يكن قائماً منذ وقت غير قصير.

وهنا نشير إلى الزيارة الخاطفة التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ، وكذلك الزيارة المنتظرة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى بيروت قبل نهاية الشهر الجاري.

وفي المعلومات إنّ الجهود الدولية تركز على إخراج لبنان من مأزق الإستحقاق الرئاسي وذلك بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد الفشل الذريع الذي مني به الزعماء اللبنانيون في شأن المحافظة على لبننة هذا الإستحقاق .

وعلى الصعيد الدولي كذلك فقد لوحظ أنّها كانت المرة الأولى التي تداعى فيها أعضاء مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة خاصة بلبنان و ورد في البيان الصادر عنهم ما حرفيته / تبدي الحكومة اللبنانية عجزاً كاملاً عن حل أزمة النفايات المستمرة منذ أكثر من شهر على رغم التظاهرات التي تشهدها البلاد وتصعيد ناشطي المجتمع المدني تحركاتهم الاحتجاجية ضد الشلل الحكومي والفساد /.

وتأكيداً على الإهتمام الدولي بلبنان أعلن السفير الروسي فيتالي تشوركين الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن هذا الشهر أنّ الدول الأعضاء في مجلس الأمن جددت التأكيد على ضرورة أن يلتئم البرلمان اللبناني وينتخب رئيساً للجمهورية في أسرع وقت ممكن لوضع حد لحالة الإضطراب الدستوري .

وهكذا باتت أزمة النفايات أزمة دولية ، وبغض النظر عما ستؤول إليه انتفاضة الحراك المطلبي وانفجار الشارع بسيل من المطالب المحقة ، من تسوية على الطريقة اللبنانية التقليدية ، فإنّ ما عبرت عنه هذه المجموعات الشعبية الحاشدة من مشاعر الغضب ضد هذا الطقم السياسي المترهل لم يعد بالإمكان تجاهله وتجاهل مشاعره الثورية .

وعلى القائمين بالإنتفاضة توحيد مطالبهم وكذلك على قادة الحراك إطلاق شعارات ومطالب يمكن أن تلقى التجاوب العملي من الناس وبالإمكان الضغط لتحقيقها ، حتى لا يقال أن ما من شيء يتبدل في لبنان حتى مع قيام الإنتفاضات الشعبية المطالبة بحقوق الشعب المهدورة  .