عندما تشرفنا بزيارة دولة الرئيس نبيه بري , في دارته في مصيلح , تجاذبنا أطراف  الحديث الممتع عن لبنان وأحداثه في العقود الثلاثة التي مرت عليه بمرّها وليس بحلوِها, لأنه لم يكن هناك أيّ مجال لذكر ولو محطة صغيرة عن حلوها , وقد شنّف دولته آذاننا بكلامٍ جميل , كعادته التي يُجيد فيها محادثة الضيف وتكريمه , وأذكر يومها أن الجلسة كانت من أجمل الجلسات صراحةً , فأسرّ الرئيس لنا الكثير من الاحاديث , وأذكر أنه توقف عن الحديث هُنيهةً , ثم تنهّد قائلا مع حلْفِ يمين : " والله , " يا إخوان " لو عاد الزمان بي الى الوراء  , لم ولن أفعل ولم ولن أقدم مهما كانت الظروف على ما فعلته في حرب المخيمات وفي حرب أقليم التفاح , إنني لم أندم على شيء في حياتي إلا على هاتين المحطتين ! .

إن فعل الندامة هو فضيلة , ويكون الفضل أكبر إذا كان صادرا من مقتدر , والمقتدر إذا تاب وندم يكون صادقا , لأن دافع الندم عادة عند القادر القوي يكون ذاتيا داخليا وليس من خارج الذات أو من فرض أحد أو من خوفٍ خارجي , بل يكون من خوف داخلي وهو الضمير .

لا أريد أن أعلّمك ما تعلم , بأن الفقر كافر , وأن الانسان الذي يطلب قوته لا يُلام , وأن الانسان الذي لا يَجد قوته تكثر خطاياه , ومَنْ إبتلي بالفقر فقد إبتلي بأربع خصال : الضعف في يقينه , والنقصان في عقله , والرقة في دينه , وقلة الحياء في وجهه , فنعوذ بالله من الفقر . " هذا الكلام مقتبس من نهج البلاغة " .

أيضا قال الامام علي عليه السلام , لإبنه محمد بن الحنفية : يا بُني إني إخافُ عليك الفقر , فإستعذ بالله منه , فإن الفقر مَنْقَصة للدين , مَدْهَشة للعقل , داعية للمقت.

لا أشك أبدا بأنك يا دولة الرئيس من محبي إمام الفقراء الامام علي بن ابي طالب عليه السلام , وكلّ مناصري حركة أمل من محبي الامام عليه السلام ومن الموالين له بصدق القلب , وهم محرومون مثلهم مثل كثير من الناس الذين يصرخون من أنين وألم الفقر والعَوَز , إن الفقر في لبنان تساوى فيه جميع الناس , بدل ان يتساووا بالعدل , والصرخة من الجميع ليست مقتصرة على مكوّن دون آخر , وأنت تعلم أن مطالب الناس مُحِقة بامتياز , وهي مطالب لكل الناس ولكل المناطق ولكل الطوائف , فكُنْ مع الناس كما نَعْهَدُك الامين المؤتمن على كرامة المحرومين , وجسّد مشروع وفكر وسلوك الامام المغيّب السيد موسى الصدر بأبهى صوره , ولتكن صناعة لبنان الجديد على يديك , فأنت أكبر من أن تتحمل مسؤولية ضرب الفقراء بالفقراء , والمحرومين بالمحرومين , ونحن سوف نكون أمامَك في تجسيد وإحياء العدل والمساواة , ولن نتأخر أبدا في أن نكون مناصرين لك بالعدل , إستمر كما نقول عنك دائما أنك صمّام أمان للبنان وللعيش المشترك , وما فات قد فات , فلتبدأ من جديد بمشروع بناء الدولة المدنية العادلة , ولا تقبل من أحد أن يحمّلك مسؤولية منع الاصلاح .