يحتاج الذين يديرون الحراك الشعبي الى وقفة هدوء وتأمّل في أمرين، الاول هو النتائج التي حققتها التظاهرات حتى الآن وهي واعدة، والثاني هو كيفية ضبط وتيرة الأداء الاحتجاجي في سياق سلمي حضاري، بحيث تتم حمايته من المطبات الكثيرة التي قد تجهضه، سواء برزت من داخل صفوفه عبر المندسّين والمستغلين، أم من خارجها عبر الوسط السياسي المتضرر منه، وبعضه يتّهم الحراك بسرقة شعاراته!
في النتائج ليس قليلاً ان يتجاسر النائب العام المالي علي ابرهيم ويقرر على خلفية الإخبار الذي تقدم به الوزير رشيد درباس، قطع التيار الكهربائي عن منازل ومؤسسات وزراء ونواب وسياسيين لم يسددوا فواتير الكهرباء المستحقة عليهم من أيام نوح، الى درجة ان الجباة لا يجرأون على قرع أبوابهم، على رغم ان المؤسسة تصدر الفواتير بأسمائهم، فلا يدفعون باعتبار ان على الأرامل والمعوزين ومكسوري الظهر والمواطنين الذين لا يملكون البنادق ان يدفعوا عنهم: فأنتم تضيئون عنا وعلينا!
لكن ما هو أهم من قطع التيار نشر أسماء عدد من هؤلاء الأكارم في بعض وسائل الإعلام، وهو ما دفع مؤسسة الكهرباء الى التوضيح انها لم تسرب لائحة الأسماء التي نشرت، في أي حال يمثّل هذا إنجازاً مهماً ساهم الحراك الشعبي في تحقيقه.
في النتائج أيضاً ان نقل ملف النفايات من محمد المشنوق الى أكرم شهيب يمثّل انتصاراً معنوياً للحراك وهزيمة للمشنوق ولو جاءت الهزيمة على طريقة ليلى والذئب، بإعتبار ان الرجل ورث ملفاً بيئياً مفعماً بتاريخ من الفساد، وعمل في حكومة معطّلة وممنوعة من العمل على خلفيات استرآسية معروفة!
لهذا من المفيد التركيز بجدّية على مناقشة خطة شهيب عبر مختصين لمعالجة المشكلة قبل الشتاء الداهم، ولكن احذروا ليس من المفيد إطلاقاً حمل الزبالة ونثرها امام وزارة البيئة فأنتم تريدون التنظيف لا التوسيخ، ثم ان الوزارة ليست ملكاً للمشنوق أو للحكومة بل للشعب اللبناني، كما انه ليس مفيداً نثر الزبالة أمام السرايا فهي للبنان لا للحكومة، ولا على الطريق العام نكاية بسوكلين، لأن الطريق ملك الشعب قبل ميسرة سكر.
هذا حراك مهم وضروري ولكن لكي ينجح وينتشل حلماً لبنانياً مزمناً من قاع اليأس المذهبي والطائفي، على الذين لهم كلمة مسموعة في المتظاهرين [إن وجدوا] ان يقدّموا صورة محددة الأهداف واضحة السبل مبرمجة ومنطقية، بحيث تمنع انزلاق الوضع الى الفوضى التي يحلم بها الكثيرون كمدخل لإجهاض الحراك.
العرض المتلفز للصارخين غضباً وارتجال التصريحات والقرارات و"المؤتمرات الصحافية الميدانية" قد تشوّه صورة الحراك... ولكم نصيحة مخلصة:
لا تفسحوا الواجهة للمنسيين من سياسيي الخردة والإيديولوجيات البائدة والمفلسين الحاقدين حتى على ربهم ليتسلقوا على أكتافكم... مفهوم؟!