اتضحت طفولية بعض جهات الحركة المطلبية وصغر سنّهم السياسي من خلال تصرفات غير مدروسة من قبيل احتلال وزارة البيئة والإحتشاد على أبواب بعض الوزارات تنديداً بسياسات الوزير المختص أو الحكومة السلامية البريئة كل البراءة من دم الفساد كونها لم تعمل شيئًا على الإطلاق وأراحت نفسها من مهمّات سهلة أو صعبة كون المسببين لها لا يريدونها إلاّ كما هي مجرّد دُمية صغيرة وألعوبة في أيادي زعماء الطوائف .

لقد زادت حركات هذه الجهات السلبية لا المشبوهة كما يصفها آخرون متضررون من تضييع فرصة ثمينة وتاريخية كان يمكن التعويل عليها لو أن بقايا اليساريين أو المجموعات الخارجة من وعلى الحزب الشيوعي هدأت واستطاعت أن تنسى أو تنناسى ولو لمرحلة التجربة الثورية المرّة للشيوعية العربية واللبنانية تحديداً .

وكان يمكن أن تستقيم مبادرة أطلقها شباب غير مجهولين ولكنهم وطنيين وغير طائفيين لو أنّ الشيوعيين انخرطوا فيها من باب الإحتجاج المدروس والعقلاني حتى لا يتمّ توظيف سلبيات الحراك الوطني لصالح طبقة أحزاب الطوائف القادرة على فعل أيّ شيء لصدّ المتصيدين ببُرك سمكها وبكل الوسائل دون تردد في ارتكاب أكثر مما ارتكبه جهاز الدفاع عن الحكومة وبالرصاص الحيّ .

للأسف لم يفهم الجيل الجديد من اليساريين عموماً ومن الشيوعيين عموماً بأن تليين الموقف في لبنان عمل عقلاني يعطيهم فرص الإستمرار في الدور ولا يمنح السلطة وأدواتها فرصة ضربها وإبعاد الكتلة الشعبية الحائرة ما بين فسادين مخيفين بالنسبة لها الأول متعلق بسلطة خبيثة تسحق من يقف ضدّها والثاني مرتبط بسلوك معارضة تسيء لمن لا يتماهى معها حتى في أخطائها .

والدعوة إلى الليونة لا يعني مجاراة السلطة بقدر ما هو تفهم للواقع والتصرّف بناءً عليه حتى لا تتحول المعارضة إلى ضحية بين ليلة وضحاها وهكذا يتم تصفية الحالات المعترضة بطرق سهلة ويموت الشعور بالنهوض الوطني تماماً كم حصل بلبنان منذ استلام النظام السوري مسؤولية إدارتها بتفويض كامل من الإدارة الامريكية .

لقد نظر الكثيرون من اللبنانيين بعين الرضا إلى حراك وطني أستثنائي وعوّلوا عليه كثيراً وما زالوا يراهنون على طاقة شبابية واعدة إذا ما تفهم المتصدرون للواجهة بضرورة توحد الجهد والتخطيط المسبق والمسؤول وعدم التصرّف بطرق سلبية فالمشكلة ليست بأبنية الوزارات فهي ملك الشعب وإنّما المشكلة تكمن في النظام الطائفي وبأحزابها المسيطرة على المؤسسات العامة والخاصة وقدر المواجهة تتطلب حكمة دهاقنة في السياسة وطاقة شبابية على كل الصعد في الشارع وفي كل وسائل الضغط لأن المواجهة مفتوحة وطويلة جداً ويجب البحث عن مشتركات بين القطاعات والطبقات المختلفة داخلياً والتوجه نحو خيارات خارجية مؤمنة بضرورة الإصلاح في البنية الطائفية تصحيحاً لمسار عربي يتطلب التجديد والمُضيّ قدُماً على طريقيّ الديمقراطية والعلمانية باعتبارهما خشبة الخلاص مما نحن فيه من استبداد سياسي وفساد مالي .

إنّها دعوة ملحة ليساريين أو لشيوعيين ما زالوا يراوحوا مكانهم في التجربة السياسية والحزبية لتحرير أنفسهم من وهم الثورة لغياب ظروفها وأسبابها ولإكساب الحراك الوطني مجموعة صلبة ومناضلة قادرة على إحداث فجوات في بناء النظام الطائفي إذا لعبت وتصرفت بطريقة صحيحة لا مخبولة .