وجدت بين أوراقي القديمة حواراً مع المرحوم السيد هاني فحص في الذكرى الأولى لوفاة الشيخ محمد مهدي شمس الدين في العام 2001 وذلك خلال سهرة طويلة في منزل السيد مهدي الأمين بمدية قم. وفيما يلي نص الحوار:

·       الشيخ محمد مهدي شمس الدين فقيه ومفكر أنجبته حوزة مثلما أنجبت فقهاء ومفكرين آخرين كالشهيد الصدر ، الشيخ شمس الدين مثَل ظاهرة في الحوزة العلمية في النجف ، وكان نجفياً ولد في النجف في العراق ونشأ هناك ..
هو نجفي بقول مطلق حتى في لهجته وظهر إنتاج الشيخ شمس الدين في وقت مبكر في النجف الأشرف .
طبع كتابه نظام الحكم والإدارة في الإسلام في بداية العقد الثالث من عمره، وكان الكتاب من الكتب المهمة وتضمن جملة من الرؤى التأسيسية والأفكار والمفاهيم التأصيلية في مسألة الحكم والإدارة .
ساهم مساهمة فعالة في كتابة إفتتاحية مجلة الأضواء بالإضافة إلى الشهيد الصدر والسيد فضل الله في سنتها الأولى وواصل إنتاجه في الحوزة العلمية .
بعد ذلك إنتقل إلى لبنان وكان عالماً مهماً وأستطيع أن أقول أن الشيخ شمس الدين لم يُكتشف إنتاجه الفكري والفقهي في حياته وساهمت جملة من المشكلات السياسية في لبنان وربما ساهمت طبيعة المؤسسة الإدارية للشيخ شمس الدين في عدم إكتشاف هذا الإنجاز الفكري المهم ، وأعتقد أن التاريخ مستقبلاً سينصف هذا الرجل .

ما هو الإنجاز الفكري والفقهي المهم للشيخ شمس الدين وما هو موقع شمس الدين كمفكر وفقيه في حركة الفكر الإسلامي في القرن العشرين في مدرسة النجف؟

هاني فحص: أنا في رأيي أن نبحث أولاً عن المستجد بين نظام الحكم والإدارة وبين بقية إنتاج الشيخ شمس الدين . وأؤكد على نجفية الشيخ شمس الدين لأني أرى فيها أهم شروط تعاطيه مع الوضع في لبنان ، نجفيته جعلت بينه وبين الوضع في لبنان مسافة مكنته من أن يرى لبنان بموضوعية أكثر وأن يرى كل مكوناته وجماعاته وحساسياته وهذا ما أتيح سابقاً للسيد الصدر الذي أتى إلى لبنان بفضاء أخر فاستطاع ان يحقق مراده في الرؤية ، ومن هنا أيضاً أزمتنا الآن في أن هذه المسافة الموضوعية التي هي شرط علمي ومعرفي لن تتحقق في من يخلفه .
انا في رأيي نحن غير الشيخ شمس الدين والسيد الصدر ، فدورنا في التعاطي معها وحلها والحوار معها أعقد بكثير من دور الشيخ شمس الدين والسيد الصدر.
ومن هذا الشرط انا في رأيي عندما تكلمت عن لندن وعن الإحتجاج في فترة أواخر العشرينات ، في تقديري أن كتاب نظام الحكم والإدارة إنتاج لحظة الهاجس السياسي النجفي في حالاته الجنينية قبل المفصل، وهذا جاء أيضاً من حراك إسلامي كان تأسيس الدولة الإسلامية في باكستان أحد المحطات . فنظام الحكم والإدارة جاء تعبيراً عن إستجابة النجف الفكرية من ضمن طموحه لإستشراف المستقبل السياسي ، نظام الحكم والإدارة جزء من الهاجس السياسي التنظيمي ، وميزة الشيخ شمس الدين في الكتاب إنه ليس تعبوياً ، ويستدعي الإنتباه أن الشيخ شمس الدين أجرى تعديلاً على الكتاب بعد أن إكتملت تجربته تقريباً بعد أربعين عاماً ، ان الكتاب ، يعني المشروع السياسي تراجع لصالح المشروع المعرفي ، ويلفت النظر في هذا الكتاب بطبعته الجديدة أنه أهدى للخلفاء الراشدين.

·       وهو ما سبب إمتعاضاً  عند البعض في الحوزات العلمية ؟.

فحص: سبّب إمتعاضاً ولكن أعاد وضع الشيخ شمس الدين ، ظهّر وضع الشيخ شمس الدين في المشروع الإسلامي العام ولم يفقده خصوصيته الشيعية ، هذا الإهداء هو مؤشر على توجه لم يدخل إلى الكتاب، يعني يمثل التوجه الوحدوي الذي ظهر في النجف الأشرف ويمثل تحسس الشيخ شمس الدين بموقعه الإسلامي ، وأنا في رأيي هذا من ممهدات التشيع ، هذا معبر لتحويل التشيع كحساسية فكرية إسلامية منهجية إلى خارج إطار الشيعة ، تعميمها وفي رأيي أنا أفرّق بين إهتمام بالسيد باقر الصدر وفكره في لبنان من حيث الكم أكثر من مصر ، ولكن من حيث العمق في مصر أكثر توجد رغبة في إكتشافه في مصر ، والسيد الصدر يوظّف الحساسية السنية تجاه التشيع فيؤسس لحالة مختلفة ، أنا في تقديري هذه ميزة وخصيصة عند الشيخ شمس الدين تنسحب على أشياء اخرى ، نحن كنا في زمن الغلبة والشيخ شمس الدين كان شجاعاً في الإجتياح الاسرائيلي ، في الثوابت اللبنانية العشرة لتكشف عمق قراءته والتي أعادتنا إلى ما كنا نعارضه بمنطق يساري من رؤية السيد موسى الصدر للبنان ومستقبله أيضاً وشروط تكونه وإستمراره ودوره ومعناه ، الثوابت اللبنانية العشر مبادراته باتجاه الأخرين في هذه اللحظة ، دعوته إلى المقاومة المدنية الشاملة . هذا الشرط الذي أعاد حزب الله في المقاومة الإسلامية تحقيقه في السنوات الأخيرة فحقق التحرير.
وعندما إستطاع حزب الله ان يجعل المقاومة مشروعاً وطنياً بهذه الشمولية المعنوية . أنا برأيي حقق إنجازاً كبيراً هذا مفصل في حياة الشيخ شمس الدين .
المفاصل الفكرية الأخرى قناعته بأولوية الدولة ، كضرورة إجتماع وقناعته بأن ما يترتب على غياب الدولة من جور ومن خراب أقسى بكثير وأكثر خسارة من جورها بالذات ومن وجودها وجورها .
إضافة إلى ذلك كانت رؤيته مطلة على إشكالية الدولة في وضعها الراهن ، الدولة تشكلت تاريخياً كضرورة إجتماع لإدارة الشأن العام ، الآن المشكلة أن الشأن العام أصبح فائضاً عن قدرة الدولة على إدارته ، لذلك نشأ في الغرب ونحن نردده الآن وإذا كان بشكل سطحي لحد كبير وهو مصطلح المجتمع المدني الذي هو ليس بديلاً للدولة بل موازن لها غير ناقض ومكمل ، وهو الحالة التنظيمية الوسيطة بين المجتمع الأهلي وبين الدولة ، نتيجته إنحسار قدرة الدولة على إدارة الشأن العام ، فالشيخ شمس الدين مع أولوية الدولة كان يعطي اولوية واضحة لحوار المجتمع والدولة وتكاملها ، ومن هنا كان شرطه المعلن في لبنان بالتوازن ورفض إستقواء الدولة على المجتمع لأنه يؤدي إلى سقوط المجتمع والدولة معاً كما حصل في التجربة اللبنانية وإنتهى أيضاً إلى ضرورة عكس الإتجاه في لبنان يعني كان يدعو إلى أنه إذا كانت هناك لبننة بالمعنى السلبي في لبنان فيجب أن يكون بعد الحرب هناك لبننة بالمعنى الإيجابي بإعتبار أن المجتمعات المحيطة والبعيدة أيضاً مجتمعات تمددية ، هناك من يعيد إنتاج وبرمجة الفوارق الأثنية والدينية والعرقية لتفجيرها في اللحظة المناسبة فكان رأيه أن من خلال الحوار وترسيخ السلم الأهلي والإعتراف بالأخر في لبنان وعدم الرغبة في الغلبة لأنها مفهوم خاطئ ودعوته إلى التنازل سلماً تجنباً بخسائر الصراع ، كان يهدي إلى تقديم امثولة لكل مجتمعات التعدد حتى لا يجري التمايزات فيها وتؤدي إلى تدميرها .
إضافة إلى ذلك أنا في رأيي الشيخ شمس الدين مثلاً جريء، قدم مشروع سياسي تنظيمي وهو مشروع الديمقراطية التوافقية في لبنان،ثم عاد واكتشف ان لبنان يحكمه الميثاق ولا يحكمه الدستور، فالتوافق هو الأنسب، الديمقراطية التوافقية هي الأنسب. فسحب مشروعه وحاول أن يوضح عندما لم تتفح الأمور وظل الآخرون مقيمين على فهمهم للبعد الطائفي في كلام الشيخ شمس الدين اعلن انني سحبت المشروع، تراجعت.وهذه شجاعة، شجاعة في الأول وشجاعة في الثاني وشجاعة في التفسير أيضا. أكثر من ذلك أنا في رأيي توجد نقاط مكثفة لاحترام مكثف في شخصية الشيخ شمس الدين.هذا الرجل اللاطائفي شيعي لاطائفي وكان يفرح لثقة الآخرين به ويثق بهم .وصلت المسألة إلى حد كلام أنا سمعته من أهل السنة الحقيقيين،مفتي في لبنان يقبله السنة أكثر مما يقبله الشيعة،أنا أرى هذه عاطفة عظيمة ولكنها تخرب البلد،وضع لبنان يجب ان يراعى،تبين وضع الرجل عند أهل السنة. عند المسيحيين يكفي أن يقول البطريرك صفير هذا الصعب وأنا لي علاقة وأعرفه،عندما بلغ بوفاة الشيخ شمس الدين أول كلمة قالها إذن مع من نتفاهم في هذا البلد.؟ أنا عاشرت الشيخ شمس الدين في 93 و96 والله كان رافعة الوحدة الوطنية في لبنان والذي يسعد المقاومة على أن تصبح في ضمن اللبنانيين جميعا بحركته التي قام بها.

·       يوجد وجه آخر للشيخ شمس الدين كونه مفكرا وفقهيا.

 فحص:انا في رأيي كل هذا الكلام الذي قلته والذي سوف أقوله لم يكن ثقافة ولم يكن سياسة.اهمية الشيخ شمس الدين انه ربط هذه المتحولات وهذه الرؤية للبنان بخصوصياته وبقابليته التعميم في كثير منها ووضعها في السياق الفقهي وأصلها،يعني كشف علاقتها كفروع بالأصول.

·        يعني نقل الحياة إلى الفقه والفقه إلى الحياة؟

فحص: لذلك في رأيي هو حجة في هذه المسألة وأيضا شد الآخرين هذا النقاش.وأكثر من ذلك أسكت كثيرا من الناس لأن التعاطي مع هذه المسائل كان يأخذ طابعا مطلبيا سياسيا. وهذا الرجل الذي يفهم لبنان هذا الفهم يجاهر علنا ويخرس بعض الألسنة ويثير بعض الألسنة يجاهر بتمسكه بالنظام الطائفي في لبنان,

·       وهو يناهض الطائفية كما تقولون!

فحص: نعم ولذلك في لبنان الميثاق أقوى من الدستور،الميثاق أهميته أنه اكتشف التكوين الطائفي في لبنان.عند الشيخ شمس الدين لم تعد الطائفية عيبا وأيضا ليست أطروحة نهائية.يعني هو يريد لبنان ديمقراطي وهذا يصرح به،يقول الدولة لا تمثل الجماعات الطائفية وليست الطائفية هي مدخل الفرد اللبناني إلى الدولة، الدولة تمثل مجموع الأفراد اللبنانيين، ولكن هذا التصور يجب أن يأخذ مداه الزمني،يجب أن يكون تراكميا لأن الإستعجال يكسر المتحدات الطائفية دون أن يهيء بديلا مقنعا لها فيعيد إنتاج دورة العنف ويعيد تركيز الطائفية من جديد.
وهو متمهل وكان حريصا أن يطور الوضع الطائفي بآليات الداخل،من داخله وليس من خارجه.وعلى أي حال هو كان يدعو ايضا إلى الإحتفاظ كمتحدات اجتماعية.وكان للتعبير عن الإنتماء والثقافة وغيرها.
هنا الحل على مسألة ولاية الأمة على نفسها، وهنا التكييف حتى التعبيري جميل، يعني يعطيك فسحة للخروج من زجاج الشورى والديمقراطية، فسحة واسعة جدا، ومن هنا أيضا دعا إلى اندماج الشيعة في أوطانهم وفي أقوامهم، كان مهموما بسلامة الوجود الشيعي لأن الشروط الموضوعية لكمالات الوجود الشيعي وأكثر من ذلك أن الشيعة إذا انفصلوا عن مجتمعاتهم الأخرى المسيحية او الإسلامية في المنطقة فإنهم يحرمون الآخرين من وهج شيعي ويحرمون أنفسهم من التحدي الذي يعيد انتاجهم ويحرضهم على إعادة إنتاج أنفسهم على مقتضيات العصر والتحديات،يتحولون إلى مشروع تكرار للذات هذا ليس اعتصاما بالذات.
اهمية الشيخ شمس الدين ان هذه المحطات ليست أدبا سياسيا ليست خطابا سياسيا، محضا بل هي منطلقات رؤيوية متصلة بالعقيدة وبالشريعة وذات تعبير حديث أو حداثي مكنها من أن تصبح عقيدة وطنية .الشيخ شمس الدين مرجع فكري منهجي لكل الحساسيات مهما كان هناك أشخاص لهم اسهامات تفصيلية وجزئية.

·       ما هو موقع الشيخ شمس الدين في حركة الفكر الإسلامي المعاصر؟وماذا تتوقعون للإنتاج الفكري للشيخ شمس الدين مستقبلاً في لبنان والعالم العربي والعالم الإسلامي ؟ وهل أنتم متفائلون حيال الفقه الشيعي؟

فحص: لست متفائلاً على أي حال أفكاره شائعة ، ولكن في لبنان الشيخ شمس الدين غير مقروء بل مسموع . نحن مررنا بتجربة السيد موسى خنقت في مؤسسته ، أنا لست ضد حركة أمل ولكن حركة أمل ليست لها علاقة بالسيد ( موسى الصدر ) .

·       الاتعتقدون كما يقول البعض أن شمس الدين يقرأ من بعيد أفضل مما يقترب منه ؟ الا تعتقدون أن وجود شمس الدين وقرب الناس منه حجاباً على أفكاره وغيابه..

فحص: الشيخ شمس الدين كان مقروءاً خارج لبنان وكان محترماً في خارج لبنان .كان مسموعاً داخل لبنان ، ندواته التلفزيونية ، خطاباته.

·       أنا وجدت عند بعض المفكرين العرب ، مثلاً محمد جابر الأنصاري وغيره ممن ينظرون إلى الشيخ شمس الدين بتبجيل وإحترام إستثنائي .

فحص : أنا رافقته (الشيخ شمس الدين)  في المرحلة الأولى إلى القاهرة ، ولا اريد أن أتكلم عن كل شيء رأيته ، كيف إبتدأت الأمور وكيف إنتهت ، سنة 1995 إبتدأت الأمور في الأول بعدم الإكتراث من المصريين ، ثم إنتهت بأن الوزير الأوقاف والمفتي وشيخ الأزهر لم يفارقوا الشيخ شمس الدين لا على الفطور ولا على الغداء ولا على العشاء ! أو تحولوا إلى تلامذة ، أما علماء مصر ومفكروها من كل الإتجاهات في سهرة في بيت الدكتور [محمد سليم] العوا تحول الشيخ شمس الدين إلى الاسئلة عن التكاليف الشخصية ،يسأل أنا ما هو تكليفي ، وطارت الحساسية خاصة عندما هجم على الإجتهاد المذهبي داخل المذهب، ودعى إلى فتح باب الإجتهاد خارج المذهب ، وعندما رفض المسلمة بأن باب الإجتهاد عند السنة أفضل وعند الشيعة هناك "دلع" إجتهادي كان مريحاً للأخرين.