قبل الخوض في نتائج الصراع الدائر في العراق ظاهراً بين رئيس الحكومة حيدر العبادي وقائد "فيلق القدس" الإيراني الحاج قاسم سليماني، وضمناً بين المرجعية الدينية الشيعية في النجف و"الحاج" بصفته العامة وليس الشخصية لا بد من الإشارة، استناداً إلى تقرير مركز الأبحاث العربي الجدّي نفسه، إلى انزعاج طهران وحلفائها العراقيين المباشرين من التغطية الإعلامية الواسعة على تنوّعها للقرارات الإصلاحية الحكومية. ذلك أنها أظهرت لدول المنطقة، كما للعالم كله، حجم المشكلات المتراكمة في العراق، وحجم الضيق الجاثم على صدور شعبه جراء ممارسات الحلفاء العراقيين لإيران، وحجم المسؤولية عن ذلك التي يضعها هذا الشعب على إيران، والتي لا تقل عن حجم مسؤولية جهات عربية وإقليمية ودولية عدة. وهذا الأمر عبّر عنه نائب رئيس الجمهورية "المُقال" نظرياً حتى الآن نوري المالكي، إذ ردّ على سؤال العبادي بعد الاجتماع الذي حضره سليماني عن ملاحظاته وتحفظاته قائلاً: "إن الإعلام يحرّض على نحو يعرّض سلامة قيادات سياسية إلى الخطر، بما في ذلك سلامتي، وإن هناك على ما يبدو تحضيراً لخطوات عدة ضدَّها منها المحاكمة غير العادلة لها. علماً أن الهدف الأول لأعدائنا كلنا هو شرذمة صفنا. ولا أرى أحداً يواجههم لمنعهم من ذلك".
طبعاً دافع العبادي عن الإعلام وحقوقه الدستورية قائلاً: "إن ما يفعله هو ممارسة هذه الحقوق. وإذا خرقها فإننا سنلاحقه قضائياً. لكن وبما أنه حتى الآن لا يزال ضمنها فإننا لا نستطيع أن نقوم بأي شيء ضدَّه. وفي هذه الحال، فإننا سنستمر في حمايته. وهذا حقّ له".
في اختصار، واستناداً دائماً إلى التقرير المشار إليه، بدا الحاج سليماني مذهولاً ومصدوماً إذ إن العراق، وتحديداً حلفاء بلاده فيه، يُظهرون إشارات اختلاف مع المسار الذي انتهجوه منذ تأسيسها عام1979 (أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، ومنذ إطاحة نظام صدام حسين وتولّي الغالبية الشيعيّة السلطة في البلاد كلها "نظرياً". طبعاً يفترض أنه قدَّم بكل ما حصل معه تقريراً إلى قيادته في مطلع أيلول الجاري. ولا أحد يعرف تفاصيل دقيقة حتى الآن على الأقل عن المرحلة التي أعقبت ذلك كله.
أما بالعودة إلى السؤال عن نتائج الصراع في العراق، فيشير تقرير المركز البحثي العربي نفسه إلى أنه لا يزال مبكراً الخوض فيها مع اعترافه أن "الحاج" قادر دائماً على إطاحة رئيس الحكومة بواسطة حلفائه العراقيين وميليشياتهم. علماً أن هذه خطوة محفوفة بالأخطار لأسباب عدة. أولها استمرار المرجعية النجفية في تأييد إصلاحات العبادي وفي تقديم دعم غير مشروط لها، وفي حضّه على تنفيذها عملياً وهو الأمر الذي لم يحصل بعد، وإصرارها على استقلالية ما للعراق العربي ولا سيما لشيعته من دون التخلّي عن العمق الإستراتيجي الإيراني، وخصوصاً في ظل استشراء الصراع المذهبي في العالم الاسلامي. علماً أن الحاج سليماني زار النجف بعد الاجتماع الصدامي مع رئيس الحكومة العبادي المذكور أعلاه، لكن شيئاً لم يتسرَّب عن لقاءاته فيه وعن ما دار فيها (من حرص ربما على إبقاء الصف الشيعي موحداً)، ولم يؤكد أحد لقاءه آية الله السيستاني. وثانيها، وجود صحوة ما في أوساط الطبقة الوسطى المدينية القادرة دائماً على القيام بدور المحرّك للرأي العام الشعبي. وهي الآن تدعم العبادي، وأي موقف آخر لها يجعلها داعمة للفساد وحامية للفاسدين. وثالثها، المساعدة الأميركية العسكرية للعراق، فمن دونها ما كان الجيش و"الحشد الشعبي" قادرين على تحرير تكريت رغم أن "الداعشيين" الذين كانوا فيها لم يتجاوز عددهم الـ400. وأميركا لا تستطيع دعم خلع حكومة شرعية بانقلاب. وهذا أمر تعرفه إيران، ولذلك فإنها قد تسعى إلى التهدئة في العراق. علماً أنها تعرف أيضاً أن تحرير الانبار ولاحقاً الموصل من دون تغطيتها الجوية مستحيل. وهي لن توفّرها قبل خطوات عراقية توافق عليها طهران مثل قانون "الحرس الوطني" الذي لا يسمح بعودة سيطرتها عبر حلفائها على سنّة العراق. أما رابع الأسباب فهو دعم السيد مقتدى الصدر للعبادي، ورغم أن تقلبات مواقفه معروفة يبدو أنه غير قادر هذه المرة على ممارستها.
من هم أعداء العبادي الآن؟ الوقت، والخطوات غير المدروسة جيداً لإصلاح الحكومة وعملها، والمالكي، و"الحشد الشعبي"، وطبعاً قاسم سليماني. وعدد هؤلاء وحجم كل منهم يثير شكوكاً في إمكان نجاحه في الآخر.