صار الأميركيون مقتنعين أن الاتفاق النووي مع إيران سيُصدّق، وإن بعد استعمال رئيسهم حق الفيتو المنصوص عليه في الدستور. وبين هؤلاء جمهوريون كثيرون. لكن ذلك لم يمنع المتعاطين منهم بالشأن العام من التساؤل عن الاستراتيجيا الجديدة حيال إيران التي يُفترض أن تحل مكان السابقة وعنوانها "الاحتواء". ذلك أنهم يسمعون دفاعاً قوياً عن الاتفاق يشدّد على وقف سعي طهران لامتلاك سلاح نووي، وعلى تجنّب حرب واسعة معها قد تكون أكثر خطورة من حربي الخليج الأولى والثانية. لكنهم لا يسمعون جواباً عن سؤالهم المتعلّق بالاستراتيجيا البديلة. وكل ما يسمعون جواباً غامضاً يُقلق أكثر مما يُطمئن هو الآتي: "لقد وضعنا إيران على لائحة المراقبة". وفي جواب كهذا مشكلات عدة أبرزها ثلاث: أولاها أن إيران توجد في منطقة تعيش أزمة ذات زخم وإيقاع سريعين ومتصاعدين يحتاجان إلى أجوبة سريعة وإلى تصنيف واضح وإلى مواقف حازمة. وثانيتها أن وضع دولة ما على "لائحة المراقبة" في دولة أخرى ليس استراتيجياً، بل تعبير غير مباشر ومهذَّب عن غيابها. وثالثتها أن إدارة أوباما اكتفت بالرد على الانتقادات، ولم تبذل أي جهد لشرح العلاقة الجديدة بين أميركا وإيران في إطار استراتيجياً اقليمية واضحة. وفي منطقة مثل الشرق الأوسط لا تستطيع أميركا الوقوف على الحياد والاكتفاء بمتابعة الدول المدرجة على "لائحة المراقبة" في وقت ترى مصالحها الحيوية والاستراتيجية وحلفاءها مهدّدين. طبعاً، يستدرك أميركيون متابعون هم أصحاب الكلام الوارد أعلاه، لا أحد في أميركا يتمنى حرباً كبيرة في المنطقة، ولا أحد يشعر بالانزعاج لحرمان إيران امتلاك أسلحة نووية على الأقل لمدة 10 إلى 15 سنة. لكن الجميع يصرّون على الحصول على أجوبة عن أسئلة كثيرة في مقدّمها: ما هو البديل لاستراتيجيا احتواء إيران التي مارستها أميركا في السابق؟
ما مناسبة هذا الكلام؟
مناسبته، تجيب مصادر بحثية عربية ما حصل في دولة الكويت في 12 آب الماضي. إذ عثرت السلطات الأمنية في مخبأ على أرضها على 144 كيلوغراماً من المواد الشديدة الانفجار، وعلى 19 الف كيلوغرام من الذخائر، وعلى بنادق وقذائف آر. بي. جي. وتم القبض على ثلاثة أشخاص ثم تبيّن وجود شبكة كبيرة تضم لبنانيين وكويتيين وإيراني مرتبطة بإيران و"حزب الله" اللبناني. ومناسبته أيضاً هي أن "مجلس التعاون الخليجي" الذي كان يستعد للاجتماع بكامل نصابه مع إيران بمسعى بذلته دولة قطر، ألغى هذا الاجتماع. ومناسبته أخيراً أن وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف دعا الاعلام في الكويت، وقد زارها قبل اكتشاف "الشبكة" بثلاثة أسابيع، إلى "جيرة طيّبة وتعاون متبادل بين إيران وجيرانها لإلحاق الهزيمة بالارهاب" مؤكداً أن ذلك كله هو "الأساس المتين جداً لاستراتيجيا بلاده في الخليج".
طبعاً، تقوم الأجهزة الكويتية بالتحقيق وبالاتصال مع لبنان ودول أخرى لتكوين ملف شامل عن القضية. وفي انتظار النتائج فإن الأسئلة التي يطرحها كويتيون وخليجيون وعرب وأميركيون كثيرة أبرزها الآتي:
1 - المعلومات الأوَّلية تؤكّد أن لـ"الحرس الثوري" الإيراني وتحديداً للحاج قاسم سليماني رئيس "فيلق القدس" الدور الأول في "العملية" المُكتشفة. فهل يعني ذلك أن إيران صاحبة القرار الواحد عبر الولي الفقيه السيد علي خامنئي تلعب لعبتين: التصالح مع أميركا ومتابعة سياستها التوسعية في الخليج والمنطقة؟ أو يعني أن هناك انقساماً داخل السلطة بين التشدّد ممثلاً بـ"الحرس" ورئاسة الدولة الممثلة بالشيخ روحاني والوزير ظريف؟ وأين يقف السيد خامنئي؟
2 – يمكن أن تكون الشبكة المكتشفة الواسعة تطبيقاً لخطة أعدّتها إيران في أثناء التفاوض النووي مع مجموعة 5+1 (أميركا) وذلك لتنفيذها في حال الفشل وذهاب الفريقين إلى الحرب. ومعروف أن دول الخليج حليفة لأميركا وتالياً أهدافاً مشروعة لإيران. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم تُفكَّك الشبكة قبل اكتشافها بعد التوصّل إلى اتفاق مع المجتمع الدولي؟ وهل عدم تفكيكها يعود إلى خشية إيران أن يعطّل الجمهوريون الاتفاق في الكونغرس؟
طبعاً، لا أجوبة عن هذه الاسئلة عند طارحيها كما عند الأميركيين. لكن ما يأخذه منتقدو إدارة أوباما منهم هو أنها وحلفاءها رفعوا كل ضغط عن إيران بعد توقيع "النووي"، من دون الحصول على شيء منها. لا بل بدأوا التعامل معها كحليف. أما الكويتيون والعرب فيسألون واشنطن عن طريقة حماية أمنهم. فهل فعل ذلك الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مع الرئيس أوباما أخيراً؟