لقد كان العماد ميشال عون الأسرع إلى حشر نفسه في عنق الزجاجة عندما حاول إخراج نفسه من منظومة الفساد المعنية بأحد الشعارات التي رفعها بعض المشاركين في الحراك المطلبي /كلن يعني كلن / وذلك بعد أن دعا محازبيه ومناصريه للتظاهر مساء يوم الجمعة الفائت في ساحة الشهداء وسط العاصمة بيروت لإسترداد الشعارات التي سرقتها منه جمعيات المجتمع المدني ورفعتها خلال التظاهرات والإعتصامات مطالبة بإصلاح النظام الذي مزقته نزاعات وصراعات أركان الطبقة السياسية الفاسدة حول تقاسم كعكة الحكم فتحوّل إلى خرقة مهلهلة بالية تتلاعب بها رياح الأحقاد الطائفية والمذهبية والمصالح الحزبية .

وقد بدا عون وكأنّه الأكثر وجعاً من باقي أقطاب الفساد عندما /نعرته مسلة تحت ابطه / وهو يرى جموع الشعب المنتفضة على سلطة متهالكة ، هو وحلفائه ونوابه ووزرائه جزء منها . وقد هاله الأمر عند إعلان الحراك عن تصميمه على المثابرة والاستمرار في التظاهر والإعتصام وبأساليب متنوعة وكلّها سلمية وتحت سقف القانون حتى تحقيق المطالب أو ما يمكن تحقيقه .

وشعر عون بخطر الحراك المدني بعد تسجيله ضربات ناجحة في مرمى السلطة بعدما جذب شرائح واسعة عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق والأحزاب  ، وبعدما أبدى الشارع إصراراً غير مألوف على المضي قدما بما بدأه منذ اللحظة الأولى لانطلاقته في الثاني والعشرين من شهر آب الماضي محافظاً على زخمه وقوته.

ومع أن أطراف السلطة جميعهم أصيبوا بحالة خوف من هذا الحراك الذي يستهدفهم جميعاً فتناسوا تناقضاتهم وتجاوزوا خلافاتهم وحاولوا محاصرته ، إلا أنّ العماد عون وتياره كان الأكثر هلعاً وكان السباق إلى انتقاده بمرارة وصراحة واعتباره صنع سفارات وجهات اجنبية .

وكل ذلك إنطلاقاً من قناعة فحواها أنّ الحراك أتى ليكون في سياق ينتهي بلعبة ما في الشارع فتسارع الدول إلى استصدار قرار أو اتفاق يؤدي إلى إجراء عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية باعتباره الفراغ الرئاسي أساس المشاكل والأزمات التي حركت الشارع فتفلت من يد عون فرصة ما زال يعتقد أنّها ما زالت سانحة وعليه جاء القرار بالدعوة إلى تظاهرة مساء يوم الجمعة الفائت لملء الشارع وإظهار أن ثّمة شارعاً آخر بمقدوره أن ينهي حصرية استئثار الحراك بهذا الشارع.

فالعماد عون الذي سعى جاهداً لاقتحام التاريخ وتدوين إسمه على صفحاته البيضاء من خلال تقديم نفسه (وذلك بإيهام الناس  ) مرة على أنّه الزعيم المسيحي بلا منازع ومرة أخرى على أنّه الرئيس التاريخي القادر على إنقاذ البلد من مهاوي الضياع ، إلاّ أنّه وقع في محظور الدخول في لعبة التحالفات الأمر الذي أخرجه من الحيادية وأنّه لكل لبنان وليس لفريق دون الآخر ، وبالتالي فإنّه قطع عليه الطريق إلى قصر بعبدا لخسارته فريق سياسي وازن. 

ولم يكتفِ عون عند هذا المقدار من التقزيم لنفسه بل تمادى أكثر عندما ضرب مفهوم الديمقراطية في عقر داره من خلال عملية توريث تياره إلى صهره المسخ العجيب ممّا أفقده ثقة حتى أقرب المقربين إليه ، وقد بدا العماد ميشال عون بعدما بلغ من العمر عتياً كمن حاول أن يحمل بطيختين في يد واحدة فإنزلقتا أرضا وتكسرتا على صخرة الأنانية والغباء والتفرد بالزعامة وتناثرتا أشلاء دون أن يذوق حلاوة الحكم .