ليس خافيا أنّ العلاقات الأميركية السعودية أصيبت في السنوات الأخيرة بحالة من الفتور والتباين في الرؤى في بعض الأحيان وبالإختلافات في فترات أخرى ، إلاّ أنّ كل تلك الاختلافات كانت دائماً محكومة بسقف التحالف الإستراتيجي الصامد بين البلدين لأكثر من سبعين عاماً منذ اللقاء الشهير الذي جمع الراحل الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت عام 1945 ، بل إنّ كل المعطيات والوقائع تذهب باتجاه ترسيخه واستمراره عقوداً قادمة وليس تراجعه .

والزيارة التي يقوم بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الولايات المتحدة الأميركية ، وهي أول زيارة رسمية يقوم بها خارج البلاد منذ توليه الحكم .

وكما وصفها المسؤولون الأميركيون جاءت لتعكس أهمية العلاقة الإستراتيجية بين الرياض وواشنطن وهي فرصة لتطوير العلاقة بين البلدين في ظل حكم الملك سلمان الذي بدوره عاصر هذه العلاقات منذ بدايتها ، وسبر أغوارها وعرف حق المعرفة أسرار قوتها ونقاط ضعفها .

والرسالة التي يحملها الملك السعودي إلى الأميركيين هي أنّ السياسة السعودية واضحة والرياض تلتزم بإستمرار العلاقة القوية والتاريخية والإستراتيجية بين البلدين مع سعي حقيقي نحو تعزيز هذه العلاقة وتعميقها وفق قاعدة المصالح المتبادلة ، ومن حق المملكة أن تضغط بالوسائل التي تراها مناسبة بهدف التأثير في السياسات الأميركية في المنطقة عندما تعود هذه السياسات بالضرر على المصالح السعودية ، وبالتأكيد فإنّ الأوساط الرسمية في واشنطن تتفهم مثل هذا التوجه ويفترض أنها لا تمانعه .

والتباين في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية مؤخراً يعود لثلاث قضايا أساسية هي :

أولاً : الجمود الذي لا يزال يلف الصراع العربي الإسرائيلي وعدم تقدمه إطلاقاً خلال السبع سنوات الماضية من عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما .

ثانياً : الغموض الذي تتعمده الإدارة الأميركية الحالية في سياستها تجاه الأزمة السورية وهو ما زاد الشكوك في مصداقية واشنطن والتزاماتها .

ثالثاً : وهو الأهم ذلك المتعلق بالصفقة النووية الإيرانية الأميركية والتي سيصوّت عليها الكونغرس خلال أسبوعين .

والمصارحة ضرورية حتى تستقيم الأمور في قادم الأيام سيما وأنّ السعودية وبقية دول المنطقة لديها خبرات تاريخية مؤلمة مع أحلام الإمبراطورية الإيرانية حالياً وأوهام بسط النفوذ في ربوع الخليج العربي وبقية الشرق الأوسط في المستقبل ، وعلامة الإستفهام الكبرى التي يطرحها الجانب السعودي: هل كل أوراق الصفقة النووية قد بسطت أمام الكونغرس والرأي العام الأميركي؟

أم لا تزال هناك ملاحق واتفاقيات سرية بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يتم الكشف عنها بعد؟

من هنا فالرياض تتطلع إلى إجابات مطمئنة وواضحة في هذا السياق من الجانب الأميركي .

وبالتأكيد فإنّ الملك السعودي سيوضح  للرئيس الأميركي خطورة ترك المنطقة في فراغات إيديولوجية واضطرابات سياسية وعواصف عسكرية ، فهذا سينعكس يوماً ما على بقية العالم وحتى على الداخل الأميركي .

وفي المحصلة فإنّه من الخطأ اعتبار العلاقات الأميركية السعودية تقوم على أساس التوافق الكامل بين البلدين فتلك العلاقات قامت على مصالح مشتركة أساسية تتعلق بأمن منطقة الخليج وضمان وصول إمدادات النفط .

فكما للسعودية مصالح كبرى في واشنطن فللولايات المتحدة الأميركية مصالح مهمة في المنطقة وتمر عبر البوابة السعودية ، وزيارة الملك سلمان إلى واشنطن جاءت لتؤكد أنّ رياح التغيير لم تهب على العلاقات الأميركية السعودية .