صحيح أنّ سوء الظن من حسن الفطن ، لكن الأصح هو أنّ الإستغراق دائماً في نظرية المؤامرة ليس أمرا صحياً ، فذلك يؤدي عن قصد أو غير قصد إلى تشويه الأهداف النبيلة لأي مشروع نهضوي أو تحرك مطلبي أو أيّ حراك اعتراضي على الواقع المأساوي الذي يعيشه المجتمع .

وبالتالي فإنّ كثرة الشكوك  قد تفتح الباب أمام المتضررين من أيّ حركة تغييرية للتسلل إلى قلب الحدث للدس وإثارة المشاكل والفتن للإلتفاف على المطالب واستغلال حركة الناس الإحتجاجية وتسخيرها لخدمة مصالحها وقطف ثمار الجهود التي تبذل .

ومن يسارع في توجيه الإتهام إلى الحراك المدني الذي انطلق الأسبوع الماضي في ساحتي الشهداء ورياض الصلح مطالباً بإيجاد حل لأزمة النفايات بأنّ هناك جهات سياسية وحزبية تحرك المتظاهرين فكأنه يقفز فوق الأزمات المتفاقمة والمشاكل المتراكمة التي يعاني منها الناس ويستهين بحجم المعاناة التي وصلت إليها أحوال اللبنانيين .

وبالتالي فإنّه ينكر على هؤلاء الشباب الذين تحركوا خارج الإصطفافات الطائفية والمذهبية والإنقسامات السياسية حيويتهم في التحرك واندفاعهم في مطالبة السلطة الحاكمة بأنّه /كفى فساداً وإفساداً وكفى عبثاً بمقدرات البلد وكفى تعطيلاً لمؤسسات الدولة وكفى متاجرة بلقمة العيش وكفى تخريباً للأمن والإستقرار / فالمواطن بات أعجز من أن يحمل على متنه وفوق عاتقه استغلالكم وسوء إدارتكم للبلد الذي بات يرزح تحت عبء مبلغ خيالي من الدين الداخلي والخارجي تجاوز عتبة آل60 مليار دولار ومع ذلك فإن الكهرباء غائبة في معظم المناطق اللبنانية حيث يضطر الناس للعيش تحت رحمة أصحاب المولدات وجشعهم ، والمياه ليست أفضل حالاً .

وفاتورة الهاتف الخليوي هي الأغلى ثمناً في العالم ، والطرقات التي تحتاج إلى تأهيل وتوسيع .

عدا الكلفة العالية للتعليم والصحة ، أمّا الوظائف فقد أصبحت حكراً على المتنفذين والمتمولين وأصحاب النفوذ والسلطة ، إضافة إلى جيش العاطلين عن العمل خصوصاً في صفوف خريجي الجامعات ، وصولاً إلى مشكلة النفايات التي أغرقت الطرقات والشوارع في العاصمة وباقي المدن والقرى اللبنانية بأكوام القمامة ، فيما يزداد الثراء الفاحش والهدر والسرقات والصفقات المشبوهة والسمسرات .

لا شكّ أنّ هذا الحراك المطلبي والمدني أثبت ومن خلال الشعارات التي رفعها والمطالب المحقة التي نادى بها ، أنّه الأكثر انسجاماً مع حقوق الناس والأكثر اندفاعا للمطالبة برفع الغبن والحرمان عنهم ، والأكثر تعبيراً عن معاناتهم ، والأكثر مصداقية وسلمية .

وأنّه تحرك احتجاجي عابراً للطوائف والمذاهب والمناطق والأحياء والزواريب الضيقة ، وهذا يعطيه من المناعة والقوة مخزوناً من الثبات والإصرار ما يزيل عنه أيّ شبهة بأيّ ارتباط خارج مصلحة المواطن اللبناني وما يؤهله لكسب ثقة المجتمع بكافة شرائحه المهنية ممّا يفرض على كل مواطن حر وشريف ضرورة مشاركته  في التظاهر والإعتصام عندما يدعو إليهما ، وأيّ تقاعس وتخلف عن المشاركة على خلفية الحذر والشك ، هو استهانة بالمطالب التي يسعى إلى تحقيقها وبالأهداف النبيلة التي يحاول الوصول إليها .