لأني أؤمن بحركة الشعوب وبالصحوة الوطنية أنحاز دائماً للمطالب الشعبية خاصة في بلد تكاد أن تنعدم فيه صحوات الضمير لإرتماء اللبنانيين بأحضان الطوائف التي عطّلت الحياة وأقفلت عجلة الدولة لصالح ميليشيات مسلحة وأخرى متسلحة بالعصبيات المذهبية والدينية .

رغم أن المعتصمين يعتصمون وسط بيروت ومقابل قصر الرئاسة الثالثة لإسقاط النظام بعد أن دفعتهم أزمة النفايات إلى الحضور استنكاراً لملف عجزت حكومة تمام سلام عن إيجاد حلول له لأنّها مرتهنة لمنطق الصفقات بين الرئاسات الحاكمة للبنان ، ويحتشدون شباباً وشابات في الساحة  الخاطئة لأنّ الحكومة الفعلية ليست حكومة تمام سلام ، فسلام ومن معه من وزراء هم مجرد موظفين  لدى أربابهم ولا يملكون رأياً ولا يستطيعون التقرير في شيء وإن توافقوا عليه .

 لذا فإنّ الحكومة الدائمة في لبنان مؤلفة من قيادات الطوائف ، و يبدو لي أن الاحتجاج أقرب للتقوى إذا ما تمّ في وجه هؤلاء الذين يتحملون وحدهم مسؤولية خراب البلد وتفتيته لمربعات أمنية وسلطوية تتمتع بمكاسب السلطة كاملة .

شاهدت يوم أمس شباب وشابات يملأن الساحة الصغيرة ويهتفون ضدّ النظام وضدّ العسكر وحكم الأزعر ويخصون وزير الداخلية بالإسم وبالخصوص بنسبة عالية من الهتافات المُدينة لسياسته القمعية ولمواقفه غير المنسجمة مع التيّار الذي جعل منه وزيراً ، كما أنّهم يهتفون لدم قصير الذي حمّلهم أمانة البقاء في الإحتشاد والإعتصام حتى تحقيق مطلب ذهاب حكومة هي غير حاضرة أصلاً .

هناك جيل جديد يشبه أجيال ثورات الربيع العربي ولا مكان فيه لروّاد الحركات المطلبية ممن استهلكتهم الساحات واستفرغوا ما عندهم من همّ دون الحصول على شيء وهو يتسع لجمهور متحمس للخروج من أنفاق الأزمة المفتعلة من قبل فريقي 8 و14 آذار اللذين أوصلا البلاد لا إلى حافة الإنهيار بل إلى وادي الإنهيار .

لهذا هتف المجتمعون ضدّ 8 و14 بنبرة عالية وحادة ولأوّل مرّة هناك من يساوي بينهما في الإثم ولا ينبري أحد للدفاع عن هذا الفريق أو ذاك ليلتحم لبنانيّون على هوية لبنانية وضدّ الفساد السياسي الذي نشرته حكومات 8و14 آذار .

كان يوم أمس بالنسبة لحملة طلعت ريحتكم حذراً جداً من إمكانية الإستغلال الذي حاصرهم من قبل جماعة جاءت وخرّبت وكسّرت وواجهت رجال الأمن الذين استخدموا المياه والغازات لدفع المهاجمين إلى العودة من حيث أتوا .

العجيب في مشهد رياض الصلح هو الحضور المُكثف لقوى الأمن والذي يولد  إنطباعاً سيئاً عن وجود جبهة حرب تحتاج إلى تعزيزات غير مسبوقة ، الأمر الذي يدلُ على أنّ الوزير المختص وحده المعني في الصورة خاصة وأنّ المعتصمين يركزون عليه دون غيره من الوزراء .

أثناء تطويق حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من قبل جهة كحزب الله وحلفائه لم يستقدم الوزير والحكومة جحافل الأمن كما أنّ حكومة الرئيس ميقاتي لم تحشد رجال الأمن للدفاع عن الشريط الشائك عندما هجم تيّار المستقبل على الرئاسة "المسروقة "  .

يبدو أنّ الأزمة مفتوحة داخل اتجاهات الحكومة بين مصّر على إسقاطها بواسطة الشارع حتى لا يتحمل مسؤولية الفراغ الثالث ، وبين من يدافع عنها لإعتبارات وأسباب متعددة تتداخل فيها المصالح الشخصية مع المصالح الطائفية وهذا بالضبط ما يجري من ردود فعل سياسية وعسكرية حتى لا يسقط حكم الساقط .