خلال التظاهرات التي دعت إليها الجمعيات المدنية وعلى رأسها تجمّع /طلعت ريحتكم / في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وسط العاصمة اللبنانية بيروت لمطالبة الدولة بإيجاد حل لمشكلة النفايات فإن الحاضر الأكبر كان التهافت الشعبي من معظم المناطق اللبنانية للمشاركة في هذا المشهد الإحتجاجي ، والعفوية في التعبير عن معاناة الناس .

فيما غاب عن المشهد الحذر من مغبة استغلال هذا الحراك العفوي الذي يعبر عن المأساة التي يعيشها الشعب اللبناني جراء تسلط هذه الطبقة السياسية الفاسدة عليه ، وهذا هو السبب الذي أدّى إلى ما آلت إليه الأمور .

ولم يكن مفاجئاً أن تستغل بعض الجهات السياسية والحزبية الحدث وتستفيد من حالة العفوية التي عمت التظاهرة وتنقض على هذا الحراك المطلبي الذي تداعى إليه المجتمع المدني وأن تحاول إجهاضه بافتعال صدام بين المعتصمين وقوى الأمن الداخلي أمام السراي الحكومي .

لا شكّ أنّ المندسين في صفوف المتظاهرين حاولوا إفشال هذا الحراك المطلبي ، وبدا ذلك من خلال الشعارات التي لم تكن موحدة ، ومن خلال الدعوات المتناقضة أثناء تظاهرة يوم السبت التي انطلقت أساساً لمطالبة الحكومة بالإسراع في إيجاد حلول لبعض المشاكل الحياتية التي تهم المواطن وتأتي في طليعتها مشكلة النفايات ومشكلة الكهرباء وغيرها من المشاكل والأزمات المتراكمة والملحة .

إلاّ أنّ المطالب سرعان ما تحوّلت إلى مطالبة بإستقالة وزير الداخلية ومن ثم استقالة الحكومة وتدرّجت للوصول إلى المطالبة بإسقاط النظام ، وبالتالي فإنّ هؤلاء المندسين وسط الناس المحتشدة أصروا على الإشتباك مع رجال قوى الأمن الداخلي خلال تظاهرة مساء يوم الأحد على رغم انسحاب الناس إلى ساحة الشهداء ، لأنّهم في الواقع ينفذون أوامر مرجعياتهم الحزبية ويطبقون خطة واضحة لدفع البلاد خطوة إضافية على طريق تعطيل المؤسسات للوصول إلى إسقاط النظام وفي أقل الإحتمالات سوءا فإنّ الأمر سيبدو على الأقل أنّ السلطة قمعت المتظاهرين بهذا العنف المفرط وهو ما يسجل بشكل سلبي على النظام والحكومة التي يعطلونها .

فقد بدا واضحاً أنّ أمراء الطوائف قرروا مرة جديدة يوم الأحد الماضي إجهاض حركة مطلبية محقة تهم كل مواطن لبناني بغض النظر عن طائفته المصادرة أو مذهبه المحتكر ولن يسمحوا بتحويل الشارع اللبناني إلى شارع جماهيري وشعبي للمطالبة بالحقوق المهدورة وإيجاد الحلول للمشاكل المتراكمة ، فهم يعتبرون الشارع ملكاً لهم ولأنصارهم ، يحركونه وفقاً لمصالحهم ولحساباتهم ولإرتباطاتهم الخارجية .

وعليه فإنّه مع التقدير لهذه الحركات المدنية والمطلبية وعلى رأسها حركة طلعت ريحتكم وكي لا تضيع جهود ومعاناة الناس المشاركة في الإعتصام والتظاهر، فإنّ المطلوب قيادة أكثر تنظيماً وأكثر حذراً وفطنة لما قد تحيكه هذه الطبقة السياسية الفاسدة من دسائس ومؤامرات على لقمة عيش المواطن .

والمطلوب أيضاً برنامج يتضمن خارطة طريق للوصول إلى مرحلة تحقيق المطالب ، حتى لا يقاد الناس إلى الفوضى أو إلى ما يخدم أغراض الذين يريدون توظيف الغضب الشعبي في حساباتهم السياسية أو إلى سلعة للإستغلال الرخيص.