في السنوات الأخيرة برزت بشكل كبير في أدبيات الكثير من الكتاب والهيئات العلمائية وبعض المحللين السياسيين وبعض الأحزاب السياسية في لبنان والعالم العربي والإسلامي مصطلحات : المشروع الصفوي الإيراني، أو الدولة الصفوية في ايران، أو التشيع الصفوي في مقابل التشيع العلوي، وقد استفاد بعض الكتاب والمحللين من الكتاب الشهير للمفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي للحديث عن المشروع الصفوي الإيراني .

وقد حاول الكثير من الكتاب والمحللين ، إضافة لقوى سياسية ودينية ، إسقاط الصفة الصفوية ومنطق الدولة الصفوية على مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وخصوصاً منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني وتمّ استخدام هذا المصطلح كثيراً خلال الحرب العراقية – الإيرانية وكذلك في السنوات الأخيرة بعد الثورات العربية ، والبعض يستخدم عبارات أخرى كوصف المشروع الإسلامي في إيران بالمشروع الفارسي أو المجوسي ، وقد صدرت كتب عديدة تحت هذا العنوان وأهمها كتاب : وجاء دور المجوس و مؤلفه الشيخ محمد سرور بن نايف زين العابدين (مؤسس التيار السلفي السروري)  وذلك في أواخر السبعينات  من القرن العشرين بعد سيطرة  الإمام الخميني على الحكم في إيران وقد كتبه باسم مستعار هو الدكتور عبد الله الغريب ويتحدث فيه عن الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإيرانية ويركز على ما يسميه  حقيقة الرافضة (أي مذهب الائمة الاثني عشري أو المسلمين الشيعة ) ويدعي الكاتب أنّهم يهود ومجوس يتسترون بالإسلام ليطعنوا فيه ويبين خيانات (الشيعة الرافضة) للأمة طوال تاريخهم .

يقع الكتاب في حوالي 500 صفحة من القطع الكبير وذكر المؤلف أنّ مفتي السعودية آنذاك الشيخ عبد الله ابن باز اشترى ثلاثة آلاف نسخة ووزعها .

إذن فإنّ استخدام مصطلحات الصفوية والمجوس والفرس واسقاطها على مشروع الجمهورية الإسلامية في ايران ليس جديداً وهو يستخدم في كل مرة تحقق إيران انجازاً مهماً ، وقد لا يكون المجال متسعاً في هذا المقال السريع للرد على كل ما كتب في هذا المجال مع الإشارة إلى أن ماكتبه الدكتور علي شريعتي حول الفارق بين التشيع الصفوي والتشيع العلوي يشكل نقداً إيرانياً اسلامياً داخلياً لبعض الممارسات في البيئة الشيعية والتي ترتبط بالمرحلة الصفوية وهو يؤكد أنّ المفكرين الإسلاميين الايرانيين الذي لعبوا دوراً مؤثراً في إنطلاقة الثورة الإسلامية في إيران هم أول من تنبهوا للإشكالات التاريخية حول الدولة الصفوية والدكتور شريعتي ليس المفكر الإيراني والإسلامي الوحيد الذي رد على بعض الممارسات الشيعية المرتبطة بالعهد الصفوي .

لكن هل لا يزال المشروع الصفوي قائماً اليوم بعد ان انتهت الدولة الصفوية قبل حوالي 230 سنة اي  عام 1785 وأي علاقة للدولة الاسلامية في إيران اليوم بهذا المشروع مع أنّ أي باحث منصف يجري مقارنة تاريخية أو فكرية بين ما تطرحه الجمهورية الإسلامية اليوم يختلف كلياً عن هذا المشروع الصفوي سياسياً وفكرياً وعملياً .

ويستطيع كل باحث وعالم أن يعود إلى التاريخ كي يطلع على ظروف إنشاء الدولة الصفوية وكيفية نهايتها وما كانت تطرحه آنذاك ويقارن بينها وبين مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم ليكتشف الفارق الكبير بينهما .

أما موضوع المجوس واستخدام هذا المصطلح فهو أكثر إثارة وإشكالية لأنّ المجوس كانوا في ايران قبل دخول الإسلام إليها ، والحمد لله فقد آمن الفرس وغيرهم من القوميات المقيمة في الهضبة الإيرانية من تركمان وأكراد وعرب وأذريين والتزموا بالإسلام وإذا كان هناك في إيران بقايا من المجوس أو أتباع الديانة الزرادشتية فما علاقة الجمهورية الإسلامية بذلك وهل الإلتزام بالإسلام دينا وفكراً ومجتمعاً  والذي تؤكد عليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية له علاقة بالمجوسية أو الصفوية أو غير ذلك .

وحتى تعبير المشروع الفارسي أو الفرس في إيران فهو غير دقيق لأنّ الفرس في إيران هم قومية من القوميات ويشكلون فقط  حوالي 51% من السكان فيما يتوزع الباقي بين عرب وأكراد وتركمان وبلوش وآذريين ومازندريين وأرمن وغير ذلك والحضارة الفارسية كانت إحدى مكونات المجتمع الإيراني قبل الإسلام .

فلماذا استخدام هذه المصطلحات غير الدقيقة والتي تستخدم في التحريض الإعلامي والسياسي والشعبي ولماذا لا يجري نقاش علمي وصحيح حول مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإشكالياته بإسلوب علمي ورصين ودقيق بغض النظر إذا كنا نوافق على هذا المشروع أو نعترض عليه .