إطلالة الأمين العام السيد حسن نصرالله امس على جمهوره في وادي الحجير في الجنوب كانت محاولة من "حزب الله" للهروب الى التاريخ بعدما أصبح الحاضر صعبا. ومن سعى في دوائر الحزب الى استعادة مؤتمر وادي الحجير عام 1920، أي قبل 95 عاما، لكي يرتب مناسبة الذكرى التاسعة لانتصار المقاومة في المواجهة مع إسرائيل إبان حرب تموز عام 2006، أراد أن يضرب ستارا على تورط الحزب المستمر في الحرب السورية. لذا، فإن استحضار الحزب هذا الماضي لم يكن موفقا. فمؤتمر وادي الحجير كان للتعبير عن ارتباط جبل عامل بمشروع الدولة العربية الواحدة ورفضا لمشروع تقسيم المنطقة العربية بين الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الاولى، في حين أن "حزب الله" اليوم يلعب دورا مناقضا لأهل ذلك الزمن من خلال تأييده للمشروع الامبراطوري لولاية الفقيه الايراني في وجه العالم العربي ومن خلال تأييده لمخطط تقسيم سوريا الى دويلات مذهبية بدلا من وحدتها.

لم تنته زيارة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف للبنان "على خير" بالنسبة الى "حزب الله". ومن الدلائل الصارخة امتناع المسؤول الايراني عن زيارة ضريح القائد العسكري الحاج عماد مغنية في الضاحية الجنوبية في بيروت. والسبب كما اتضح هو التزام طهران المعايير الاميركية في تصنيف الشخصيات في دائرة "الارهاب" ومنهم مغنية، كما شمل هذا التصنيف أيضا قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي زار موسكو سرا فلم تمرّ الزيارة على سلام في العلاقات الاميركية - الروسية.
على رغم أن زيارة المسؤول الامني البارز في النظام السوري اللواء علي المملوك لجدة قبل أسابيع لم تنته فصولا بعد، فإن جديدها بحسب المعلومات هو أن المبادرة السعودية لإخراج إيران و"حزب الله" من سوريا مقابل توقف السعودية وسائر دول الخليج عن دعم المعارضة السورية لم تخرج من التداول كليا. فالمملوك الذي ذهب برفقة نائب رئيس الاستخبارات الروسية الـKGB على متن طائرة واحدة الى المملكة عاد الى دمشق بالمبادرة السعودية التي خضعت لمراجعة بين طهران وموسكو وأنتجت على ما يبدو تأجيلا لحسم معركة الزبداني التي كلفت "حزب الله" خسائر كبيرة. وفي الوقت نفسه تلاقت حسابات إيران وروسيا على أن الاتفاق النووي بين إيران والغرب الذي يمرّ بمرحلة حرجة في المواجهة بين الرئيس الاميركي باراك اوباما وبين الكونغرس يتطلب خفض التوتر الذي من شأنه التشويش على الادارة الاميركية ومن ذلك إلغاء زيارة ظريف لضريح مغنية.
يتصرف "حزب الله" حاليا وكأنه في إجازة فرضتها المصلحة الايرانية - الروسية، تماما كما فعل سفير روسيا في لبنان الذي غادر في إجازة الى بلاده تستمر حتى الثلث الاخير من أيلول المقبل باعتبار ان محركات الاحداث الكبرى في المنطقة تعمل ببطء في انتظار جلاء المواجهة بين اوباما والكونغرس الشهر المقبل. وستقرر إيران متى يعود الحزب من إجازته السورية أو يمدّدها.

 

احمد عياش