بعد مرور تسع سنوات على حرب تموز ٢٠٠٦،  ما زال السجال في لبنان محتدماً حول تلك الحرب وأسبابها ونتائجها ، فيستحضر كل سنة مرّة وتستعاد كل التفاصيل المملّة مع الإتهامات نفسها والتخوين نفسه ما يزيد من حدّة الإنقسام السياسي الذي نشأ قبل تلك الحرب وخلالها والذي تعمّق بسببها ولم يزل مستمراً وأصبح أكثر حدّة بعد دخول حزب الله في الحرب السورية .

حزب الله يصرّ على أنّ ما تحقق في حرب تموز هو نصر إلهي وتاريخي نظيف بغضّ النظر عن الكلفة الباهظة التي دفعها لبنان جرّاء تلك الحرب ،ز العديد من خصوم حزب الله ينكرون هذا النصر ويعتبرون بأنّ تلك الحرب كانت كارثة على لبنان .

الموضوعية تقتضي الإعتراف لحزب الله بأنه صمد صموداً  باهراً وأبلى بلاءً حسناً  في حرب تموز وأنزل بالعدو الإسرائيلي خسائر فادحة لم يكن ينتظرها، وبما أنّ الأهداف المعلنة للحرب من قبل العدو الصهيوني لم تتحقق وأبرزها القضاء على حزب الله والإفراج عن الجنديين الأسيرين فوراً، هذا يعتبر من منظار حزب الله إنتصاراً كاملاً ، لكن معايير النصر عند حزب الله تختلف عن معايير النصر عند الدولة اللبنانية ، فالدولة التي دمّرت مدنها وبناها التحتية والتي دخلت في أزمة سياسية عميقة شلّت الإقتصاد وأرهقت الخزينة وأبعدت الإستثمارات وهرّبت رؤوس الأموال...إلخ ، هذه الدولة ترى من منظارها بأن ما حدث كان هزيمة .

لكنّ المعادلة التي حكمت حرب تموز كانت كالتالي : إذا هُزم حزب الله ، سيهزم لبنان بأكمله وسيدفع ضريبة هذه الهزيمة أثماناً سياسية وعسكرية وإقتصادية باهظة ، وإذا إنتصر حزب الله ، فينتصر لوحده كحزب دون سواه، وهكذا كان .

لكن في نتائج حرب تموز السياسية، هناك خسائر فادحة لحزب الله لم ولن يعترف بها، فحزب الله قبل حرب تموز كان يعتبر المطالبة بإرسال الجيش إلى جنوب الليطاني هو فعل خيانة فيه تآمر على المقاومة وخدمة مجانية للعدو الإسرائيلي، لكن بعد حرب تموز، حزب الله نفسه وافق على القرار ١٧٠١ الذي نصّ على إرسال ١٥ ألف عسكري من الجيش اللبناني إلى جنوب الليطاني ورفع عديد القوات الدولية إلى ١٥ ألف عسكري وتعزيزها وتوسيع صلاحياتها ومهامها لمساندة الجيش اللبناني والسهر على حسن تطبيق القرار ١٧٠١، وبهذا يكون حزب الله قد وافق على ما كان يعتبره مطلباً إسرائيلياً ،

 والسؤال:لماذا يوافق على ذلك وهو المنتصر في تلك الحرب ؟

وإذا وافق لأنه وجد في ذلك مصلحة للبنان ، يصبح السؤال : لماذا لم يوافق على إرسال الجيش إلى جنوب الليطاني ليخدم وطنه فوق أرضه وبين أهله بعد التحرير مباشرةً وليس بعد حرب تموز ؟

في القرار ١٧٠١ تمّ ذكر القرار ١٥٥٩ الذي ينصّ على تجريد الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية من السلاح وهو قرار مرفوض من قبل حزب الله جملةً وتفصيلاً ، ومع ذلك وافق حزب الله على القرار ١٧٠١. كما تمّ ذكر القرار  ١٦٨٠ الذي يتضمن ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا خاصةً في مزارع شبعا وهذا القرار مرفوض أيضاً وبشدّة من قبل حزب الله .

 

اليوم وبعد مرور تسع سنوات على حرب تموز، ينعم الجنوب والحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة بالأمن والهدوء والإستقرار في منطقة مشتعلة من أقصاها إلى أقصاها، وهذا إنجاز ساهم فيه حزب الله بدون أدنى شك، ولو بقي حزب الله بعيداً عن الحرب السورية وحافظ على هذا الإستقرار بحكمته وقوته كصاحب أرض وصاحب قضية ، كان من واجبنا أن نرفع له القبعة ونشكره على ما أنجزه، لكن مقاومي حزب الله الذين ساهموا مع سواهم بتحرير الجنوب والذين بذلوا التضحيات لتحرير الأرض المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي، وبدل أن يتنعموا بالتحرير ويعيشون في أرضهم وبين أهلهم، أصبحوا مقاتلين على أرضٍ ليست أرضهم وذهبوا بعيداً  في حربٍ عبثية للدفاع عن نظام رفضه شعبه الذي ثار من أجل العيش بحرية وكرامة كما يطمح أي شعب على هذه المعمورة، يقاتلون ويقتلون هناك، وتعلق صورهم على الجدران والعدو الإسرائيلي يتفرج ويشطب عن لوائحه السوداء أسماء مقاومين أبطال أذاقوه المرّ في الجنوب والبقاع الغربي ، كان يعدّ العدّة لإغتيالهم، فيجدهم  يُقتلون في سوريا دون أي عناء منه في حربٍ عبثية لا أفق لها، دفاعاً عن نظامٍ كُتب له السقوط ولن يعود إلى الحياة بعد أن فقد كل عوامل الإستمرار.