بين بغداد وبيروت شهدنا في الأسبوعين الأخيرين تطورات مهمة ينبغي التوقف عندها لأنها تشير لوجود تغيير حقيقي على الصعيد الشعبي في مواجهة الفساد والطائفية ومن أجل البحث عن الدولة المدنية ودولة المواطنة.

ففي العراق عامة وفي بغداد وفي ساحة التحرير خاصة نزل الشعب العراقي احتجاجاً على انقطاع الكهرباء والفساد المستشري وكانت التظاهرات والإعتصامات تضم مواطنين عراقيين من كل الأطياف والمناطق وعلى أساس الإنتماء للعراق وليس للطوائف والمذاهب .

وقد أدّت هذه التحركات والتي تلقت دعماً واضحاً من المرجعية الدينية في النجف الأشرف ، إلى اضطرار الحكومة العراقية والمجلس النيابي للبدء بحملة إصلاح حقيقية ومعاقبة المفسدين، ومع ان الحملة لا تزال في بدايتها وقد تواجه عقبات عديدة ولن يسمح لها البعض بالإستمرار ، فإنّ مجرد نزول الشعب العراقي للشارع لمواجهة المفسدين دون الأخذ بالإعتبار الإنتماءات الطائفية أو المذهبية أو المناطقية ، فإنّ كل ذلك يؤشر إلى بداية إيجابية في المشهد العراقي. وفي بيروت وبسبب أزمة النفايات والكهرباء والماء بدأنا نشهد تحركات شعبية ليس لها علاقة بالأحزاب المسيطرة أو بالإنتماءات الطائفية، وقد نجحت هذه التحركات الشعبية في دفع الحكومة للإسراع لمعالجة هذه الأزمات ، كما بدا واضحاً انّ بعض القيادات السياسية والحزبية سواء التقليدية أو الجديدة ليست مرتاحة لهذه التحركات الشعبية وهي تسعى لمحاصرتها ومنع استمرارها.

لقد كشفت أزمة النفايات في لبنان أن هناك إمكانية لقيام حراك شعبي حقيقي غير طائفي أو مذهبي أو مناطقي بشرط توفر قيادة عملية وميدانية ومستمرة لهذا الحراك. وبين بغداد وبيروت وعواصم ومناطق عربية أخرى عاد الناس للشارع وللتحرك من أجل مطالبهم ومعيشتهم وتجاوزوا في الكثير من الأحيان الإنقسامات الطائفية والمذهبية ممّا يعني أنّ العودة لخيار الشعب ممكناً في حال توفرت القيادات الحقيقية.

وخلال الأيام الماضية زار بيروت وفداً من المجلس العراقي لحوار الأديان ضم السيد حواد الخوئي والدكتور سعد سلوم والأب الدومينيكي أمير ججي والدكتورة امنة الذهبي ، وعقد الوفد لقاءات حوارية مع عدد من الشخصيات والمؤسسات الحوارية اللبنانية وقدم لنا أعضاء الوفد صورة مشرقة عن نشاط حواري شبابي يشهده العراق ويؤشر لمستقبل إيجابي رغم كل الظروف الصعبة التي يمر بها العراق اليوم، كما قدّم السيد جواد الخوئي أطروحة مهمة حول الدولة المدنية ودولة المواطنة وموقف المرجعية الدينية منها واعتبر أنّ تجربة الإسلام السياسي قد فشلت، وهذه الأفكار تحتاج لحوار معمق ومستمر ، لكن ما يمكن قوله باختصار أنّ ما حمله إلينا الوفد العراقي من بغداد إلى بيروت يؤكد أننا أمام مؤشرات إيجابية جديدة ينبغي التوقف عندها والإهتمام بها ، وللحديث تتمة في مقالات اخرى.