ما أن بدأ البحث عن ضوابط لما بعد الاتفاق النووي حتى وجدت ايران نفسها في "مرحلة انتقالية" تفرض عليها البدء بتغليب "الدولة" على "الثورة"، والشروع بتقديم حسن روحاني ومحمد جواد ظريف على محمد علي الجعفري قائد "الحرس الثوري" وقاسم سليماني قائد "فيلق القدس". سيتضاعف الاعتماد على الرئيس ووزير الخارجية لإدارة النفوذ الايراني الذي تحقق من خلال القائدَين العسكريَين. أكثر من مجرد توزيع أدوار، لا بدّ من تغيير النهج، ولو بشكل تدريجي بطيء. والبحث عن الضوابط ظهر خصوصاً في عودة نمط التفاهمات الاميركية – الروسية، الذي بلغ ذروته عام 2013 في معالجة أزمة استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي، وجرى تجديده قبل أيام بقرار من مجلس الأمن يطلب تحديد الجهة المسؤولة عن مواصلة استخدام ذلك السلاح، بما في ذلك من ضغط مباشر على النظام السوري وغير مباشر على ايران.
هناك مناخ متغيّر في الإقليم:
1) حلفاء ايران في اليمن ينتقلون يوماً بعد يوم من ادارة السيطرة على البلد الى ادارة التراجع والهزيمة، ومن الاستعلاء والتلكؤ حيال الحل السياسي الى استعجال هذا الحل.
2) دخول تركيا "الحرب على داعش"، باتفاق خاص مع الولايات المتحدة، أتاح لها خوض حرب موازية على حزب العمال الكردستاني، ما يعني استطراداً دخولها مواجهة غير مباشرة مع ايران التي تدعم هذا الحزب وما يتفرّع عسكرياً وسياسياً.
3) البحث في تفعيل الحرب على الارهاب أعاد فتح ملف الحل السياسي في سوريا، ما اضطر طهران ودمشق - للمرّة الأولى – الى الإيحاء بشيء من الجدّية و"المرونة" من خلال التشاور في "تعديل" ما يسمّى "مبادرة ايرانية" وليس من خلال اطروحات بشار الاسد. لكن التفاصيل التي أُفصح عنها لا تشكل بداية حل لأنها تتمسّك بالاسد وصلاحياته ومنظومته الأمنية، إلا اذا كانت هناك تنازلات تُركت سرّيةً وتُرك لسليماني أمر مناقشتها في زيارته لموسكو.
4) يمكن اضافة "الانتفاضة ضد الفساد" في العراق الى تلك المتغيّرات كونها انطوت على صراع مفاجئ بين القوى الشيعية المهيمنة على الحكم، ولا تُعتبر قرارات الحكومة سوى بداية للتعامل مع الأزمة وليس لحسمها.
لا تظهر الأزمة اللبنانية على خريطة المتغيّرات هذه، وإنْ كان بعض التفاصيل (التمديد لكبار الضباط) يشير الى ارتباك في حلف "حزب الله" - التيار العوني ازاء الممكن وغير الممكن. أكثر من أي وقت مضى، بات مستقبل هذا "الحزب" (وحليفه) رهن الحل في سوريا، ولا يريحه تحريك طهران (ودمشق) لشروط هذا الحل. المؤكّد أن فتح ورشة المساومات في المنطقة، وظهور ايران كـ"دولة" أكثر منها "ثورة"، يثيران قلق "حزب الله" وقد يدفعانه الى استعجال "المؤتمر التأسيسي" كخطة استباقية لاستثمار مكاسبه في لبنان قبل انتكاسه المرتقب في سوريا.