من لم يمر من هنا ؟!

هذا ما سألته بين أبراج القلعة وبين حجارتها العتيقة ، بين تباين الحضارات الذي إختلط بها والتي أخبرنا عنها المرافقون في الرحلة ....

 

قلعة طرابلس  هي من أكبر قلاع لبنان  ، والأكثر إهمالاً  "تماماً" قلعة جمعت بين زواياها أربع حضارات ، وتبارت كل حضارة لتثبت أسبقيتها ، فهناك من أرجعها للفاطميين وهناك من نسبها للصليببين ....

إلا أنّها ترفض أن تسمى إلا بقلعة "طرابلس" ، دون نسبة لأحد وفخورة بكل ما حملته من تراث فاطمي وصليبي ومن لمسات وحضارة تركية ومملوكية !

 

حجارة القلعة متنوعة ، ولكل حجر قصة ورواية ، والأدراج أعيد تدشينها بفوضى "دون رعاية لتراثها" لتجد حجراً يحمل النقوش "مداس" للأقدام ...

 

 

ولتتساءل من يتحمل المسؤولية !

مسؤولية إخراج القلعة عن الإطار السياحي والتعامل مع تراثها "بجهل مدقع"  ؟!

 

 

ببساطة ، طرابلس الحضارية خارج خارطة الحضارة والمؤسسات التي ترعى التراث ، وقلعتها "الشامخة" لم تلفت إهتمام اليونسكو والذي يخصص مبلغ مليون دولار سنوياً للآثار (حسب المعلومات) ، فهذه المدينة القديمة حرمتها الطرقات العشوائية بها من أن تسجل كمدينة "تراث وسياحية" ...

وحرمتها الحروب والسياسات الضيقة من أن تنهض ؟!

 

 

تساءل الكثيرون من الذين شاركوا في جولة ضمن القلعة ، هذه الجولة التي قامت بها مجموعة "طرابلس يا مدينتنا نوادر وحكايات " ، لماذا لا تنعم قلعة طرابلس بمهرجانات مثل معبد بعلبك ؟

ولماذا لا تتمتع بشهرة جبيل مع الإشارة أن مؤهلات طرابلس التراثية أكثر !

 

الإجابة بسيطة ، بعلبك وجبيل وجدتا من يأبه بهما من سلطة لبلدية لشعب ...

فالحواط ، أهدى جبيل أهم الألقاب وأحبها فأحبه الشعب والجدران ، وأصبحت مدينة "عالمية" ...

بينما طرابلس ، لم تعرف سوى بلديات "التسييس" و "النهب" فأهملوا وجه المدينة الحضاري وتآمروا عليها ودفنوها ...

ولم تعرف غير سياسة "التلميع" ورؤوس الأموال المصدرة !

 

 

هذه القلعة "العسكرية" بنشأتها ، تعيدك آلاف السنوات للوراء فتكاد ترى الجسر المعلق يرتفع ويهبط ، وتذهب مخيلتك لرؤية الحروب ومن حاولوا احتلالها وكيف استخدم الجنود الحيل والكمائن لحمايتها ....

تتخيل الأسهم ، والزيت المغلي ، والحصار !

تجول في القلعة ترى المساجد أو بالأحرى ما تبقى منها والكنيسة ، ترى كيف كانت إمدادات المياه تتدفق وتكاد تسمع الصوت فتتحسر على تاريخ إندثر وعلى حاضر "حرمت به طرابلس من مياهها" ؟؟

 

 

 

 

تبصر السرداب الذي لا تستطيع الوصول لآخره بسبب الإهمال وهي "تملك ثلاثة سراديب" أو هذا ما اكتشف ..

فبحسب المرافق من نادي الآُثار ( رشاد رحيم ) وعند سؤاله إن كانت هناك مواضع لم تكتشف ، أجاب مؤكداً الأمر ، و مشيراً أنّ هناك موقع اكتشف صدفة منذ فترة من الزمن ؟!

 

أسرار القلعة المخفية أكثر ممّا تظهره ، والروايات تتنوع فما بين حكايات الأجداد التي تؤكد وجود سرداب يربطها بالميناء ، وما بين منطق وخبير ينفي ...

تبقى الإجابة محيّرة ؟!

فماذا يمنع وجود سرداب واثنين وثلاثة ، في قلعة نصفها مجهول ، وغرفها مقفلة وأسرار خلف الأبواب ؟!

وماذا يمنع ظهور تراث مخفي بين الجدران وتحت الرمال !

 

ما أقوله "ليس مبالغاً" قلعة طرابلس "سر" يغني المدينة تراثاً وآثاراً ، فإن كان ما ظهر وهو "القليل" اختصر أربع حضارات فما بالك بالذي خفيَ  !

 

ولكن من يهتم ، قلعة طرابلس تحولت  منذ سنوات "لثكنة عسكرية" ،هذه  القلعة التي تحتوي متحفاً مغلقاً ولم يفتح سابقاً ، لم تأخذ مرةً  للأسف على محمل الجد كموقع سياحي يمثل وجه المدينة .

من هنا بإسم طرابلس ، نشكر مجموعة "طرابلس يا مدينتنا نوادر وحكايات" على المجهود الذي يبذله الناشطون بها ،  في الإضاءة على تراث المدينة والعمل على حماية وتأهيل آثارها ..

هذه الآثار التي تعرضت للكثير من النهب والسرقة ... وما زالت !