قبل حوالي الإسبوعين صدر عن مجموعة الأزمات الدولية ( وهي مؤسسة عالمية تهتم بأوضاع السلام والإستقرار في العالم)  تقرير مهم حول الأوضاع في لبنان تحت عنوان : " لبنان واستراتيجيات البقاء المضللة " ،  وتضمّن التقرير معلومات مهمّة حول الأوضاع في لبنان وخلص إلى نتائج خطيرة تحذر من تدهور الأوضاع اللبنانية إذا لم تسارع الحكومة والطبقة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني إلى اتخاذ خطوات جذرية لإنقاذ لبنان ، وممّا جاء في التقرير :

حافظ لبنان على وجوده  رغم كل العوامل التي تهدّده في بيئة مضطربة ، وذلك بفضل جهازه المناعي الإستثنائي .

غير أنّ هذه القدرة على البقاء تحوّلت إلى ذريعة لعطالة وتراخي طبقته السياسية، وهو ما يمكن أن يؤدي في النهاية إلى انهيار البلد .

جارته سوريا ، والمرتبطة به كما يرتبط توأمان سياميان ، غارقة في الدماء، وتدفع إليه موجات مستمرة من اللاجئين عبر الحدود .

حزب الله، الحزب السياسي الشيعي اللبناني والحركة المسلّحة ، انجرّ إلى صراع طائفي إقليمي شرس ومكلف ويائس .

داخلياً، أخفقت الأطراف اللبنانية المختلفة التي تخشى انهيار التوازن السياسي الهش في انتخاب رئيس للبلاد أو تمكين رئيس الوزراء من الحكم، وفضّلت الشلل على أي خيار تعتقد أن من شأنه إحداث تغيير عميق في الوضع الراهن .

يفرز الصراع في سوريا جميع أنواع المشاكل، القديمة منها والجديدة والتي ، على المدى البعيد، ستحمل جميع الاحتمالات لزعزعة الإستقرار .

رغم أنّ هذا الوضع يتطلب التصدّي له على نحو عاجل، فإنّه من غير الواقعي توقُّع اتخاذ تدابير جريئة ، غير أنه يمكن للسياسيين بل ويجب عليهم أن يتّخذوا خطوات ملموسة من شأنها مجتمعة أن تخفّف من حدة التوترات بانتظار السنوات التي قد تستغرقها تسوية الصراع في سوريا .

وأضاف التقرير : إلاّ أنّ الديناميكيات التي يشهدها لبنان اليوم تشبه على نحو غريب تلك التي سبقت الحرب الأهلية ؛ فقد عادت ثقافة الميليشيات ، التي سادت في الماضي، والتي تبددت ظاهرياً مع استيعاب المجموعات المسلّحة جزئياً في أجهزة الدولة ، عادت إلى الظهور .

والفوارق الإجتماعية والإقتصادية القديمة باتت أكثر عمقاً .

وتدفُّق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين يعيد إلى الأذهان الموجة السابقة من اللاجئين الفلسطينيين، الذين أدى رفضهم من قبل شرائح واسعة من المجتمع اللبناني ، وما تلا ذلك من تسييس لقضيتهم، إلى تحوّل ما كان في البداية مبعث قلق إلى تهديد رئيسي للأمن .

وقد انخرط حزب الله في دور إقليمي أدى إلى تعميق الإنقسام الطائفي، وأضاف هذا الدور إلى مبرر وجوده كحركة مقاومة ضد إسرائيل ، والذي تمتع على أساسه بدعم واسع .

ويشهد الجيش اللبناني، المؤسسة العابرة للطوائف والتي تعتبر العمود الفقري لما تبقّى من الدولة، حالة استقطاب متزايد.

وثمّة مصدر آخر للقلق يتمثل في الإرباك غير المسبوق الذي تشهده الطائفة السنيّة، إحدى الطوائف الثلاث الأساسية في البلاد، إلى جانب الشيعة والمسيحيين .

يعكس خطاب قيادتها المفترَضة والمتمثلة في تيار المستقبل ، الإحباطات المتنامية لقواعدها ، بينما تخفق في مخاطبة هذه القواعد بشكل فعّال ، نظراً لتراجع اهتمامها وانخراطها في مخاوف ومشاكل هذه القواعد ، فإنها أفسحت المجال لتيارات متنافسة، بعضها متطرّف أو حتى عنيف، لتمثيل هذه الطائفة التائهة، والمنقسمة والغاضبة، والمصابة بالذهول من قوة عزيمة حزب الله، وتطور الموقف الأمريكي حيال إيران والعنف المستمر ضد السنّة على أيدي النظامين في سورية والعراق .

بالمقابل، فإنّ تحوّل الطائفة التدريجي نحو مواقف أكثر راديكالية، الأمر الذي يثير مخاوف وجودية من الأصولية السنية لدى الجماعات الأخرى، يسهم بتنامي الدعم الذي يحظى به حزب الله وانخراطه في سورية، بصرف النظر عن كلفة ذلك الصراع المتصاعد .

كما أنّ إحجام الجيش عن التصدّي للنشاط الشيعي العسكري، في الوقت الذي يقوم فيه بقمع مثيله السني، كونه يشكّل خطراً أكثر إلحاحاً، يسهم في تعميق الانقسام .

ويقول التقرير أيضاً :

من المرجح أنّ سوء الإدارة، مصحوباً بالسياسات غير الديمقراطية وغير الدستورية، سيفاقم المشاكل إلى درجة يصبح فيها التغيير الجذري الوسيلة الوحيدة لمعالجة هذه المشاكل .

من مصلحة الطبقة السياسية الإنتهازية تأجيل تلك اللحظة ؛ لكن المفارقة هي أن هذا يمكن أن يشكل أيضاً دافعاً يمكن تحويله لمصلحة البلاد، إذا سمح الوقت والظروف الإقليمية بذلك .

في حين أنّ الاستمرار في التأجيل والمماطلة في إصلاح النظام السياسي يشكّل استراتيجية ذات أفق مسدود، فإن أيّ بديل شامل قد يكون أخطر في البيئة المتفجرة السائدة اليوم .

ويقترح التقرير عدة خطوات لإنقاذ لبنان ومنها  :

إجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية التي طال إجراؤها كثيراً، دون انتظار تدخل خارجي لتحديد نتائجها، كما كان الحال تاريخياً أو كذريعة تستخدم للتأجيل ؛ وتبنّي سياسة حيال اللاجئين السوريين تقلّص التهديدات الأمنية وتضمن احترام كرامتهم وحقوقهم ؛ وتطبيق محاكمات قضائية عادلة إزاء السجناء الإسلاميين وغيرهم ؛ وإخضاع عناصر الأمن للمساءلة عن الإنتهاكات التي تتم ممارستها ضد السجناء، واللاجئين والمجموعات الضعيفة الأخرى .

أضف إلى ذلك أنّ لبنان بلد لا يزال يوفر بيئة متسامحة حيال النشاط الشعبي ؛ وبالتالي فإنّ المنظمات غير الربحية الناشطة في مجال الصالح العام والإصلاح السياسي ينبغي أن تفعّل دورها لتعزيز الحكومة والقيم الديموقراطية ، بما في ذلك محاربة الفساد وتعزيز سيادة القانون.

ويختم التقرير محذراَ:

إذا أخفقت الطبقة السياسية والآخرون الذين يمكنهم التأثير في مسار لبنان في اتخاذ مثل تلك الخطوات الأساسية والبديهية، فإنّ البلاد لن تنجح إلاّ في تجاوز الحالات الطارئة التي تواجهها في الوقت الحاضر على حساب رهنها لمستقبلها.

هذا التقرير المهم والخطير لم يحظ بالإهتمام المطلوب لا من قبل وسائل الاعلام ولا من قبل الجهات السياسية او مؤسسات المجتمع المدني ومرّ التقرير وكأن شيئا لم يكن رغم أنّ ازمة النفايات والكهرباء والخلاف حول التعيينات العسكرية والتخوف من الذهاب نحو أزمة حكومية جديدة كل ذلك يؤكد أهمية هذا التقرير وضرورة الاستفادة من مضمونه لمعالجة الأزمة اللبنانية،

فهل من يسمع  أو يقرأ أو يهتم؟