أكوام الأزمات المتراكمة في لبنان توازي أكوام النفايات المترامية في بيروت والمناطق ، وكل أزمة على حدا، كافية لإسقاط حكومة "وحدة وطنية" أو "مصلحة وطنية" أو "نفاق وطني"، وهذه الأزمات مجتمعة كافية لإسقاط طبقة سياسية عن بكرة أبيها ، لكن في لبنان هناك طبقة سياسية عصيّة على السقوط ، قد يسقط البلد وتسقط الجمهورية ويسقط الهيكل على رؤوس الجميع ، أما إقالة مسؤول أو سحب الثقة من وزير أو إسقاط حكومة فهو أمر بعيد المنال، هذا في الأحوال العادية، فكيف إذا كنّا في ظروف إستثنائية فرضها الفراغ المعشعش في قصر بعبدا منذ سنة وثلاثة أشهر ؟؟

 هذه الظروف الإستثنائية بالإضافة إلى المشاكل والأزمات المزمنة والمستجدة المستعصية ، جعلت من حكومة الرئيس تمام سلام الجدار الأخير في بناء الجمهورية المتهاوي، حتى بات حزب الله وهو المسؤول الأول عن إطالة أمد الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى ، يطالب بإبقاء الحكومة وعدم المخاطرة بإستقالتها أو بإقالتها .

وحده التيار العوني الذي هو جزء من الحكومة ، يحاول إسقاطها ، ليس بسبب أزمة النفايات أو أزمة الماء والكهرباء ، بل لأسباب تتعلق بتعيين صهر الجنرال عون العميد شامل روكز في قيادة الجيش.

كيف لشعب يعاني من كلّ هذه الأزمات أن يحاسب المسؤولين عن هذا الواقع المزري الذي وصل إليه ، في وقتٍ سحبوا من يده ورقة الإنتخابات النيابية على الرغم من محدودية التغيير الذي تحدثه بسبب قوانين الإنتخاب المعلبة التي يحيكوها على مقاساتهم ، وإستبدلوها بالتمديد لأنفسهم بأنفسهم، والحكومة ممنوعة من السقوط لأنّها المؤسسة الدستورية الأخيرة التي تعمل بالحدّ الأدنى في ظلّ الفراغ في الرئاسة الأولى وتعطيل المجلس النيابي !

الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة في لبنان وضعت الشعب أمام حائط مسدود ،  ما أدى إلى إنفلاش حالة الفلتان وإرتفاع نسبة العنف والجرائم وباتت الدولة غير موجودة بنظر الناس، فبات المواطن يُقتل في الشارع وفي وضح النهار دون حسيب أو رقيب والقاتل يسرح ويمرح ويسافر على مرأى ومسمع السلطات المختصة .

الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة في لبنان هي الأزمة الأمّ وولاّدة الأزمات، أما أزمات النفايات والماء والكهرباء ما هي إلاّ رأس جبل الأزمات الذي راكمته هذه الطبقة السياسية الفاسدة والمفسدة القابعة على صدر الشعب اللبناني منذ عشرات السنين، والتي تنتج الأزمات والحروب وتعقد الصفقات والسمسرات وتهدر المال العام وتعتدي على الأملاك العامة وتنتقل من مرحلة إلى أخرى على متن نظام طائفي يجعلها غير قابلة للسقوط ، وهذا النظام الطائفي نفسه ، قسّم الشعب اللبناني إلى شعوب متناحرة وسحب من يده القدرة على إنتزاع حقوقه أو محاسبة الطبقة السياسية التي إنتزعت منه الحدّ الأدنى من العيش الكريم .