من الواضح أنّ سوريا اليوم على المشرحة الدولية والإقليمية ، والصراع ليس لتوحيدها وإنّما للإمعان في تمزيقها وتفتيتها بعدما افقدتها المعارضتان السياسية والمسلحة هويتها العربية وسيادتها القومية .

فالصراع الإقليمي والدولي على سوريا ألغى الحل الدولي لإعادتها دولة موحدة ، بحيث يبدو الحديث عن جهود المبعوث الأممي دي ميستورا في هذا المجال نوعاً من إضاعة الوقت .

فسوريا اليوم جيوب متناحرة ، جيب تركي وآخر كردي وثالث داعشي ورابع إيراني علوي وحديث عن جيب عراقي شيعي وعن جيب أردني في الجنوب السوري .

وإضافة إلى تنظيم الدولة الإسلامية داعش ، هناك أكثر من مائتي تنظيم ديني مسلح في سوريا ، وكلّها لا تؤمن باللعبة الديمقراطية ولا تقبل بها كأساس للوصول إلى الحكم والتناوب عليه من خلال صندوق الإقتراع وجعل الحوار مع الآخر والإعتراف به والتعايش معه أساساً لإقامة مجتمع مدني مستقر والتعايش تحت ظل إسلام إجتماعي متسامح .

وهناك معلومات تتحدث عن محاولة أميركية تركية لإقامة دولة إسلامية في المنطقة الشمالية على الحدود التركية السورية تدار تحت حماية  ووصاية هاتين الدولتين وعلى أن يتولى الأمن فيها شرطة مدنية إسلامية معتدلة .

ومن المقدّر لهذه الدولة أن تحلّ محل داعش التي تزعم أنّها دولة دينية وتطبق شرع الله في المناطق الواسعة التي سيطرت عليها منذ أكثر من سنة في العراق وسوريا .

والدولة المزمع إنشاؤها والتي من المفترض أن تكون معتدلة دينياً سيتألف شعبها من مليون ونصف مليون لاجىء سوري في تركيا بالإضافة إلى الطامعين في الجنة من السوريين النازحين داخل سوريا وخارجها.

فهذه الدولة لم يتم الإعلان عنها رسمياً بعد ، فما زالت خريطة ورقية في حسابات الأميركيين والأتراك اللذين يجمعهما حلف الناتو ، وكلّ ما أعلن رسمياً كان الجانب العسكري وهو وضع قاعدة انجرليك التركية تحت تصرف سلاح الجو الأميركي بحجة أنّها أقرب إلى سوريا في مقابل قبول الولايات المتحدة الأميركية بإقامة جيب تركي في الشمال السوري .

يبقى القول أنّ رسم حدود وحجم هذه الدولة ينتظر نجاح تركيا في تقويض الجيبين الكردي والداعشي بالقضاء عليهما أو على الأقل بإضعافهما وتحجيمهما من خلال القصف الجوي والبري الجاري حالياً عبر الحدود.

وتركيا مضطرة للتدخل بجيشها للسيطرة الأمنية داخل حدود هذه الدولة لمنع الطيران السوري من قصفه للسكان ولردع الأكراد والتنظيمات الدينية من الدخول إليه أو الإعتداء على المدنيين السوريين اللاجئين إليه .

وتشير المعلومات إلى أنّ مساحة هذه الدولة التي ستقام على المنطقة الحدودية تقارب نصف مساحة لبنان ، وهذه الدولة هي في الواقع أقرب إلى كونها جيب تركي منها إلى امتلاك مقدرات دولة ومواصفاتها .

وقد تضطر أنقرة إلى احتلال حلب في مرحلة لاحقة لجعلها عاصمة لهذا الجيب وعلى أن تكون خالية من قوات النظام والتنظيمات الدينية التي تناوبت كلها على تدميرها ، مع ترك إدلب في الشمال الغربي لمرحلة تركية ثالثة.

وإذا كان تمدد هذا الجيب التركي عمقاً وعرضاً في الأراضي السورية سوف يرضي الإخوان المسلمين أعوان الأتراك كما يرضي سكان حلب من المدنيين السوريين حيث يؤمن لهم الأمن والأعمار .

لكنّ توسع هذا الجيب قد يوقظ الأطماع التركية النائمة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى عندما طالبت تركيا بضم حلب والموصل ، الأمر الذي لم يتحقق بسبب هزيمتها آنذاك في الحرب..