بعد الإتفاق النووي بين إيران والدول الغربية ليس غريباً أن تتقاطر الوفود الأوروبية الإقتصادية منها والسياسية والمالية إلى طهران طمعاً بمتطلبات المرحلة الجديدة التي تلي الإتفاق الذي قضى برفع العقوبات الإقتصادية ، وما يمكن أن تحصل عليه كل دولة من عقود ومشاريع إقتصادية في دولة عانت على مدى ثلاثة عقود ونصف من الحظر الذي طاول مختلف القطاعات وعلى كافة المستويات.

فطبيعي أن يذهب الفرنسيون إلى إيران بعد اتفاق فيينا وأن يلحق بهم البريطانيون وأن يسبق الألمان الجميع ، وطبيعي أن ترحب دولة الولي الفقيه بكل تلك الوفود تبعاً لحاجتها الماسة إلى كافة الصناعات من دول المصدر ، إذ أنّ المصانع الإيرانية لم تستطع خلال سنوات الحصار الطويلة التي سببتها العقوبات أن تنتج ما يمكنها من تعبئة الفراغ وتلبية الإحتياجات الإيرانية وخصوصاً في مجالات الصناعات الثقيلة كقطع غيار الطائرات وغيرها ، وذلك على عكس ما كانت تروج له الدعاية الإيرانية التعبوية .

إلا أنّ الأوروبيين لا يعوضون إيران عن الأميركيين ، وبالتالي فإنّهم أي الأوروبيين لا يستطيعون الدخول إلى إيران بمعزل عن الموافقة الأميركية ، وعليه فهم يقفون عند الباب ينتظرون موافقة الإدارة الأميركية ومعها الكونغرس لفتحه مع إدراكهم وقناعتهم بأنّ حصتهم من المشاريع الإقتصادية محفوظة.

إلا أنّ المفارقة هي أن خمسة وثلاثين عاما من القطيعة الأميركية الإيرانية تخللها حملات إعلامية تعبوية ضد الشيطان الأكبر وما رافقها من دعوات لمقاطعة محور الشر وتزامنت كلها مع سلسلة من المواجهات الأمنية المتفرقة والعمليات التخريبية التي استهدفت مراكز ومنشآت أميركية في أماكن متفرقة من دول العالم وكانت أصابع الإتهام تتوجه نحو الجناح المتشدد في إيران .

ومع كل ذلك تبدو واشنطن اليوم مطمئنة إلى حضورها في إيران أكثر بكثير مما يتوقعه البعض ممن عايشوا المرحلة التي مرت فيها العلاقات الأميركية الإيرانية بهذا المقدار الكبير من التوتر والتشنج وحتى القطيعة.

وفي المقابل فإن الإيرانيين كانوا على ذات المستوى من الإطمئنان بعمق الروابط مع الولايات المتحدة الأميركية وعلى قناعة بأنّ العلاقة بين الطرفين ستعود يوماً إلى سابق عهدها من الصداقة والود والثقة مهما طالت سنوات العجاف التي سببتها القطيعة.

فالفراغ الذي خلفه الأميركيون بعد خروجهم من إيران إثر انتصار الثورة الإسلامية التي أطلقها الإمام الخميني (قدس) لم يستطع أحداً او أي شيء أن يملأه ، فلا العلاقات مع غير الأميركيين كالروس والأوروبيين استطاعت أن تعبئ الفراغ الأميركي في إيران ولا دعوات التعبئة ضد أميركا ولا شعارات الموت لأميركا ولا وصفها بالشيطان الأكبر استطاعت أن تزيل الروابط وثقة الشعب الايراني بالولايات المتحدة الأميركية .

والمظاهرات الصاخبة التي شهدتها شوارع طهران احتفالاً بالتوصل إلى اتفاق فيينا هي أفضل تعبير على أن غالبية الايرانيين خرجوا للإحتفال بعودة العلاقات مع الغرب وتحديداً مع الأميركيين أولاً وأخيراً لا للإحتفال بصنع قنبلة نووية.

وهذا يطرح سؤالاً منطقياً ماذا أنجزت الثورة الإسلامية الإيرانية خلال سنوات رفع شعارات العداء غير الإستدارة بإيران مقدار ستة وثلاثين درجة على مدار ستة وثلاثين عاماً لتعود إلى الحضن الأميركي طالبة الصفح والتسامح عما مضى .