ربما ستنظرون الى هذه الصور وتستغربون وجود طفلين صغيرين داخل قفص مخصّص للحيوانات. ستسألون عن السبب أو تقرأون عنه، فتستفيق إنسانيّتكم وتشدّون على أعينكم حتى تكاد تغمض، ثمّ تقولون "حرام" مع مدّ الألف تعبيراً عن شفقتكم. لا شكّ أنّ غالبيّتكم ستفعل ذلك، إلا أنّ شيئاً لن يتغيّر. لن يخرج الطفلان من القفصين. قفص الحديد الذي سجنتهما أمّهما فيه، وقفص الحياة التي قست عليهما فانتزعتهما من منزلهما وبلدهما وحياتهما الى مكانٍ بعيد، موحش، وضيّق، بحجم قفص!   ثمّة وجهين لهذه القصّة لا يجوز تجاهل أحدهما. العائلة سوريّة تقيم في بلدة في أعالي كسروان، لجأت إليها هرباً من الحرب في سوريا، تماماً كعائلاتٍ كثيرة منتشرة في المناطق اللبنانيّة كلّها. ونقصد في "كلّها" أنّ ما من بلدة لبنانيّة، كما تشير الإحصاءات، إلا ويقيم فيها سوريّون، عمّالاً أو لاجئين أو الاثنين معاً غالباً. تضطرّ الأم للعمل لإعالة نفسها وطفليها، وتفتقد لوجود أحدٍ من أفراد أسرتها أو أصدقائها أو جيرانها الجدد لتبقي طفليها في عهدته. لذا، لجأت الى أسوأ خيار بشريّ، ولو أنّ هذه الصفة لا تليق بما تفعله الأم مع الطفلين. فهي تضعهما، قبيل خروجها من المنزل الى العمل، في قفصٍ حديديّ مخصّص للحيوانات وتقفل عليهما وعلى بعض الألعاب ليلهوا بها في الحديقة المجاورة للبيت، ما يجعلهما عرضةً للحشرات وربما للأفاعي، الى جانب أسرِ حريّتهما وعجزهما، طيلة الساعات التي تغيب فيها الأم عن المنزل، عن قضاء حاجتهما.   ربما سنشتم الأم على فعلتها هذه. لا بل من المؤكد أنّنا سنفعل ذلك. وربما، بعد الشتم، سنهدأ لنفكّر بالظروف القاسية التي دفعت هذه المرأة الى هذا الخيار. يمكننا أن نقسو عليها كثيراً، ويمكننا أن نشفق. ويمكننا، أيضاً وأيضاً، أن نلومها على إنجاب طفلين صغيرين في ظلّ الحرب الدائرة في بلدها واضطرارها للجوء الى بلدٍ آخر...   ويمكننا، بعد ذلك كلّه، أن نلعن الحرب ومن قام بها ومن يساهم باستمرارها. هذه الحرب التي قتلت حتى الآن عشرات آلاف الأطفال، وأصابت الآلاف بإعاقة، وسجنت طفلين في قفصٍ من حديد، وآخرين في قفص الهجرة واللجوء... فلمن يلجأ الطفلان السجينان، ومن يخرجهما من القفص، ما دمنا جميعاً أغمضنا أعيننا واكتفينا بـ "يا حرام"؟! تستحقّ إنسانيّتنا أحياناً الـ "حرام" نفسه...   (داني حداد)