بغض النّظر عن الخيارات السياسية التي ينتهجها حزب الله، ولنا منها موقف معروف لا نستحي بالإعلان عنه والجهر به، على عكس كثيرين ممن يبدون بالسرّ ما يخشون الافصاح عنه بالعلن، فإن موضوع الإختلاف بيننا وبين “جمهور حزب الله” هو حول مقاربة الكثير من سياسات الحزب غير المرتبطة، في نظرنا، بموضوع مقاومة العدو الاسرائيلي. ويأتي في مقدمتها دخول الحزب في أتون الحرب السورية إلى جانب النظام وضد الشعب السوري. وهذا الموضوع ما زال محل نقاش وجدال داخل الساحة اللبنانية بكل تشعباتها وتمظهراتها.

واحدة من هذه الملاعب التي كانت ولا تزال تخاض فوقها النقاشات والحوارات بين الفريق المؤيّد والفريق المعارض، هي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا فيسبوك.

وأنا من موقعي المختلف مع حزب الله أشهد أنّه خلال الفترات الاولى من بدء الأحداث السورية كانت تخاض نقاشات يومية بيني وبين كثيرين من الاصدقاء “الحزب اللهيين”، وأشهد أيضا أن كثيراً من هذه الحوارات كانت تمتدّ حتى ساعات الفجر. وبالرغم من ضراوتها، إذا صحّ التعبير، وارتفاع سقفها السياسي، إلا أنّها كانت تتّسم على الدوام بالكثير من الاحترام المتبادل، وبالحرص الدقيق من الطرفين بالمحافظة على مستوى راق من التعابير والمخاطبة.

إلاّ أنه وبكل أسف، ومع طول المدة، فإنّ تحوّلاً كبيرًا قد طرأ على خطاب هذا الجمهور، أو للموضوعيّة على السواد الأعظم من هذا الجمهور. فحلّت لغة السّباب والشّتم واللعن والاتهام بالعمالة والالفاظ النابية والتطاول على الحرمات والاعراض، محل لغة الحوار والنقاش. طبعا هذا لا يعني عدم وجود سبابين عند الآخرين.

وتحوّلت للأسف هذه اللغة الجديدة والمتدنية بالتخاطب الى ديدن متّبع من قبل هذا الجمهور، بلا أي رادع أخلاقي أو ديني أو حتى إنساني. لا بل أكثر من ذلك فقد صار الشتم من بعضهم يلقى تنويه البقية، فتصبّ تحت شتيمته عشرات أو مئات اللايكات من رفاق السلاح. ما أتاح لكثير من الطفيلين وأرذال القوم الذين يطمحون إلى التقرب من هذا الجمهور، التملّق من أجل تحقيق مآرب شخصية أو مصالح معينة للسلوك بهذا المسلك.

فصار كل من يريد إظهار نفسه على أنه من “مجاهدي” المقاومة أو من “أشاوس” الممانعة لا يحتاج البتة الى كثير عناء، ولم يعد يقف أمامه تاريخه المشبوه أو حاضره الأسود أو صغر سنه الذي لم يتصل بمرحلة الاحتلال… فقط عليه الاتحاق ومشاركة الشتامين بشتمهم. فكلّ ما يحتاجه أحدهم ليتحول بسحر ساحر إلى بطل من أبطال التحرير أو الى محارب للارهاب التكفيري، هو فقط الدخول الى صفحة أحد المعارضين للحزب، ويستحسن هنا ان يكون المعارض من الشيعة حصراً، لـ”يقدح مسبّة من كعب الدست” بحقّ صاحب الصفحة، ولا مانع هنا من استحضار أخت أو أم أو زوجة هذا المعارض، ليطوّب هذا الشتام فورا قديسا في صفوف “المقاومة”.

 

هذه الظاهرة المستجدة، والتي تحولت إلى ما يشبه الثقافة في القرى والبلدات الجنوبية على وجه الخصوص، آخذة في الانتشار والتجذّر، حتّى كأنها صارت جزأً اساسيّاً من التعبئة الحزبية الداخلية.

وأكثر ما يفجع في هذا المجال هو الاسباب التبريرية التي عليها يعتمد هذا الشتّام والسبّاب، ويتّخذ منها مبررا وأرضية يعتبرها صالحة لنصب وإطلاق صواريخه المبتذلة، ألا وهي إعتبار أن أي نقد سياسي لحزب الله هو بمثابة إساءة موصوفة “للشهداء”. وعلى اعتبار أنّ هؤلاء الشهداء هم أرقى بني البشر وأن المس بهم هو جريمة لا تغتفر، لذلك فحتما أنّ هذا المُنتَقد يستحقّ حتما ما يرمى به ويقذف به من المنكرات، وإن جزافاً.

هذه المغالطة المقصودة أو اللا مفكر فيها أو المسكوت عنها، عبر الربط العضوي بين النقد السياسي للحرب في سوريا وبين أموات هم عند ربهم ولا علاقة لنا بهم أو بمصيرهم الأخروي، الذي هو حتما خارج أي نقاش لأنّه ليس من اختصاص أحد على هذه الارض… هذا الربط نفسه لا يشعر به هذا الجمهور عينه عند سؤاله مثلا عن مرحلة القتال الأخوي بين حزب الله من جهة وحركة أمل من جهة اخرى، ليأتي الجواب عن تلك الحقبة بأنّها “حقبة سوداء”، وأنّها تعتبر من “الأخطاء التي يجب ألا تتكرر”. وذلك بدون الشعور أو القصد للحظة أنّ هذا النقد الصحيح هو بمثابة إساءة إلى شهداء تلك المرحلة، ما يعني بوضوح إمكانية الفصل بين الأمرين.

 

 

 

ختاما وأمام هذه الموجة من التفلّت اللاخلاقي، ينبري سؤال لا بد منه: من ترى يسئ حقيقة الى الشهداء؟ ناقد سياسي بشكل موضوعي وبكل احترام للغة التخاطب، أم جمهور من السبابين يدّعون أنهم يمثلون الشهداء؟ اعتقد أنّ الاجابة واضحة.

ملاحظة: “للدلالة على صحة كل ما جاء بالمقال اقرأ تعليقات جمهور حزب الله التي ستكتب بعد نشر هذا المقال”.