علّقت كثيراً على الحركة العسكرية – السياسية والشعبية للعماد ميشال عون يوم كان قائد اللواء الثامن ثم قائداً للجيش، ويوم أصبح رئيساً لحكومة انتقالية مهمتها الدستورية الوحيدة انتخاب رئيس للجمهورية وهو لم يقم بها طبعاً، ويوم تحوّل زعيماً سياسياً منفيّاً واسع الشعبية بسبب سياسته الرافضة الاحتلال السوري والساعية إلى التخلّص منه وكذلك حلفاؤه وأدواته في لبنان، ويوم عاد إلى البلاد بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، ولكن بسياسة محلية واقليمية وحتى دولية مختلفة عن تلك التي انتهجها في المنفى، وبعد الاتفاق على ذلك في احد فنادق باريس مع مسؤول أمني سوري مهمّ جداً صار الآن في دنيا الحق. وبقيت هذه السياسة غير معلنة إلى أن كشفها، قبل الانتخابات النيابية التي أُجريت بعد الانسحاب السوري في لبنان، خطأُ فريق 14 آذار في الحسابات وتصميمه على تقليص الحصّة النيابية لعون، الأمر الذي اضطره إلى خوض الانتخابات ضده وإلى نسج تحالفات انتخابية مع الذين كانوا أعداءه. واكتشف 14 آذار بسبب خطئه المشار إليه، ولاحقاً بعد تفاهم عون وحزب الله في شباط 2006 على الأرجح، أن الصفقة العونية – السورية المدعومة من رئيس الجمهورية في حينه العماد إميل لحود ربما كانت تهدف إلى تنصيبه زعيماً لأخصام سوريا الأسد كلهم من مسيحيين ومسلمين، وإذا تعذّر ذلك يستطيع الاكتفاء بالمسيحيين.
لكن لم أُعلّق يوماً على العمل الحزبي الذي أسّسه باسم "التيار الوطني الحر"، ولا على آلية العمل داخله والاستعدادات التي كان يقوم بها والرفاق القدامى لنضاله كما مساعدوه، وخصوصاً الشباب الذين كانوا يتلقون العصي في لبنان لإيمانهم به ولنشاطهم الهادف إلى تحقيق أهدافه "الوطنية". والسبب على الأرجح هو أنني وبسبب التجارب الحزبية الفاشلة في لبنان رغم التاريخ العريق والعمر الطويل لبعضها، لم أكن مقتنعاً بأن "الزعيم" يمكن ان يقبل حزباً يقود معه العمل السياسي، ويشاركه اتخاذ القرارات ووضع البرامج ويُحاسبه إذا أخطأ أو انحرف عن المبادئ الحزبية، وبـ"العربي المشبرح" إذا كوّع 180 درجة في مواقفه ومبادئه، وخصوصاً من أجل مواقع سياسية ومكاسب متنوعة وليس من أجل الوطن.
أما اليوم فإنني أرى نفسي مضطراً الى الخوض ولو لمرة واحدة في الحراك الدائر وبحماسة لافتة داخل "التيار الوطني الحر" لمناسبة الانتقال الرسمي من الحزب – الزعيم إلى الحزب – المؤسسة. فأقول إنه يعجبني من حيث المبدأ، إذ لا أعرف ماذا ستكون نتائجه. فهو أظهر تنوّعاً مطلوباً عند القواعد الحزبية والكادرات، وتنافساً ديموقراطياً حقيقياً، ومعركة انتخابية فعلية سلاحها الظاهر حتى الآن الاتصالات والمشاورات والمواقف. والأهمّ من كل ذلك تسامُح "الزعيم الأوحد" عون مع هذا الواقع وسماحُه به رغم معرفة اللبنانيين من أخصام له وحلفاء عواطفه، والتركيبة الحزبية التي يتمنى أن تحوِّل "التيار" حزباً في ما بقي من عمره الطويل إن شاء الله. وزعيم هذه التركيبة هو الوزير جبران باسيل. أما التركيبة الأخرى التي لا يعاديها علناً على الأقل لأنها من لحمه ودمه ولأن أعضاءها ناضلوا معه ولا يزالون، فتضمّ النائب آلان عون ابن شقيقته ونعيم عون ابن شقيقه.
هل يُكمل عون "مسامحته" المذكورة أعلاه ويمتنع عن خوض معركة صهره باسيل؟
لا أعرف حقيقة. علماً أن ما أعرفه هو أن جو منزله يعتبر الصهر باسيل الابن الذي لم يُرزق به "الجنرال"، والأدلة على ذلك كثيرة. لكن ما أعتقدُه هو أنه قد يجد نفسه أمام خيارات ثلاثة. الأول خوض المعركة شخصياً لمصلحة باسيل، وبذلك يؤكد ان تجربته الحزبية غير مختلفة عن تجربة الأحزاب الفاشلة وخصوصاً المسيحية منها. والثاني ممارسة الحياد فيها، وبذلك يعطي أمثولة في الترفّع في أواخر عمره، أطاله الله له، بعدما فشل في ممارسته طيلة حياته السياسية. والثالث استمراره على رأس الحزب بعد مأسسته. وبذلك يترك مستقبل الأخير للتطورات والظروف.
وأياً يكن خياره فالمهم أن جمهوره المثقَّف الذي طالما لامه الناس لسيره "على العمياني" خلف "الجنرال" رغم تبدّل مواقفه ودور طموحاته في ذلك، قد بدأ يتحرّك ويطالب بحقوقه. فهل ينجح الجمهور في بناء حزب جدّي ديموقراطي؟
لا جواب عندي، لكن الاسئلة التي أطرحها هي: هل يتدخل "حزب الله" حليف "الجنرال" في الانتخابات التأسيسية لحزبه؟ وهل يستطيع التدخل؟ أي هل له نفوذ داخله؟ أيضاً لا جواب عندي.