لا زالت هي اللغة الخشبية ذاتها الخالية من أيّمصداقية  ومن أي حقيقة والتي دأبت الأنظمة العربية البائدة اعتمادها لمخاطبة الجماهير وتضليلهم .

يصر الرئيس السوري بشار الأسد على استخدامها وخصوصاً خلال خطابه الأخير صباح يوم الأحد الماضي أثناء لقائه رؤوساء وأعضاء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية وغرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة في قصره في العاصمة السورية دمشق ، والذي تضمن مجموعة من المتناقضات والعبارات التي تفتقد إلى الحد الأدنى من التماسك ، بحيث يصعب على أي قارىء سياسي أو محلل استراتيجي أن يستنبط ما الذي يريده بشار الأسد أو أن يستخلص موقفاً واضحاً للقيادة السورية  تحاول أن تعتمده في سياستها المستقبلية.

ففي حين يؤكد أن قواته قادرة بكل تأكيد على حماية الوطن وينفي وجود انهيار في قواته فإنه يقول أن الجيش السوري يتخلى عن مناطق خلال المعركة من أجل أن يحتفظ بأماكن أهم ، وهو بذلك يشير إلى أن هناك مناطق في سوريا مهمة ومناطق ليست ذات أهمية ، وبمعنى أوضح أن هناك مناطق موالية له حريص على المحافظة عليها دون المناطق الأخرى الغير موالية .

وقال رئيس النظام السوري في الخطاب الذي بثه التلفزيون الرسمي السوري إن أهالي بعض المناطق حملوا السلاح لمؤازرة قواته معتبراً أنّ ذلك كان له تأثير في حسم المعارك بسرعة ، فمن غير المعلوم عن أي معارك يتكلم عنها الأسد والتي حسمها جيشه بسرعة وبأقل الخسائر مع البراميل المتفجرة التي تنزل على رؤوس المدنيين والتي تعد بالعشرات يومياً مدمرة كل معالم الحياة بعد أن تقضي على المئات من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب ، وبعد أن خسر النظام السوري نفوذه عن ثلاثة أرباع الأراضي السورية رغم الدعم الإيراني الكامل لوجستياً وعسكرياً ومالياً ، ومع المشاركة العسكرية الميدانية الفعالة لحزب الله في كافة الحروب على مختلف الأراضي السورية .

وعن الدعم الخارجي قال الأسد أن الدعم الإيراني اقتصر على الخبراء ، وأن المقاومة اللبنانية تقاتل مع قواته ، وذلك في إشارة إلى حزب الله اللبناني دون أن يسميه حفاظاً على ما تبقى من شعور بالكرامة والكبرياء لدى الضباط السوريين التي امتهنت وأصبحت في الحضيض .

متجاوزاً الإعتراف بأنّ قيادة المعارك العسكرية في الميدان السوري هي بيد قيادة حزب الله وقاسم سليماني مع إلغاء كامل لدور القيادة السورية ، ذلك أنه في الحسابات العسكرية أن الكرسي الذي لا زال يجلس عليه بشار الأسد هو كرسي إيراني وأن المحيطين به لحراسته هم من مقاتلي حزب الله .

وإذ أبدى الأسد استعداده لأي حوار سياسي فإنه هاجم المعارضة السورية متهمها بالتبعية للغرب قائلاً إنّ أسيادكم يستخدمونكم كالورقة وسيرمون بكم في سلة المهملات ، مع إعترافه في الوقت نفسه أن الحديث عن حل سياسي للأزمة السورية هو حديث أجوف وعديم المعنى ، وأكد على أن سوريا يجب أن تبقى موحدة لكل السوريين ، ودون أن يأتي على ذكر أكثر من نصف الشعب السوري المهجر قسراً بسبب سياسته التدميرية الممنهجة التي يعتمدها نظامه.

ولم ينسَ الأسد أن يقدم الشكر لإيران وروسيا والصين على جهودهم في المحافل الدولية كما قدم شكره لحزب الله لما يقدمه من تضحيات ، دون أن يأخذ بعين الاعتبار أنّ ذلك هو أيضا تبعية للخارج ، وأنّه كما أنّ الداعم للمعارضة سيرميها في سلة المهملات فإن الداعم له أيضا سيرميه يوماً في سلة المهملات.

وبالطبع فإن بشار الأسد وهو رأس حربة الممانعة والممانع الأول فإنه لم يتحدث عن الحرب مع إسرائيل باعتبارها العدو الأول للممانعة وللمقاومة ولا عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية ، بل دعا إلى توحيد البندقية لمحاربة الإرهاب ، وهي رسالة واضحة للدول الغربية يبدي فيها رغبته في السير في ركب التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد داعش .

وأيضاً لم يتحدث عن التدخل التركي في الأراضي السورية والتحضير لإنشاء منطقة عازلة آمنة ومنطقة حظر جوي ، مع ما يعني ذلك من انتهاك وتهديد للسيادة الوطنية السورية .

واللافت في كلام الأسد قوله أنّ الوطن ليس لمن يسكن فيه وليس لمن يحمل جواز سفره أو جنسيته ، الوطن لمن يدافع عنه ويحميه ، والشعب الذي لا يدافع عن وطنه لا وطن له ولا يستحق أن يكون له وطن .

وفي هذا إشارة واضحة إلى أن رئيس النظام السوري يبيع سوريا إلى الميليشيات التي تقاتل إلى جانب قواته لأنها تدافع عن الوطن ، يقابله حرمان السوريين الذين تهجروا من وطنهم بعد تدمير قوات النظام لبيوتهم وارزاقهم في مدنهم وقراهم .

وهذا تعبير واضح على أن سوريا لم تعد للسوريين وأنّ عليهم أن يبحثوا عن وطن بديل عن وطنهم ما دام نظام الأسد حاكما في سوريا .

لا شكّ أنّ بشار الأسد وحتى اللحظة يتصرف في سوريا وفي مستقبلها وفي مصير الشعب السوري وكأنها مزرعة ورثها عن آبائه واجداده. يبيع منها ما يشاء لمن يشاء ويهب منها ما يشاء لمن يشاء ناسياً او متناسياً أنه فقد السيطرة حتى على الكرسي الذي يجلس عليه ، وأن شعار سوريا الأسد عفى عليه الزمن ، وأنّ سوريا لم تعد للأسد إلى الأبد ، بل إنّ سوريا أصبحت لقاسم سليماني ولو مؤقتاً .