لا شكّ أنّ للقدس شأن كبير في الأديان السماوية ، وهي من الأهمية في الصميم الإسلامي ما جعل الإمام الخميني (قدس ) الذي حمل قضية القدس في فكره وعقله وقلبه أن يخصص لها يوماً عالمياً ، وأطلق عليه يوم القدس العالمي وحدده في آخر يوم جمعة من شهر رمضان من كل عام وكان ذلك في العام 1979 .

وهو بذلك جعل إحدى أولويات الجمهورية الإسلامية الزحف المقدس تحت شعار زحفاً زحفاً نحو القدس في إطار السعي لإمتلاك عناصر القوة التي تؤدي إلى خلق معادلة جديدة لتوازن القوى بين الإحتلال والتحرير بغية تحقيق الهدف الأسمى وهو تحرير المقدسات من ربقة الإحتلال .

أما اليوم فلم تعد القدس هي الأولوية في الحسابات الإيرانية ولا حتى في عمليات حزب الله ، ولم يعد يوم القدس العالمي للقدس بل أصبح للقلمون والزبداني والقصير وحمص وحلب وإدلب ولسوريا الأسد وإستلحاقاً ربما للعراق ولليمن ، ولبنان طبعاً في الجيبة الصغيرة .

وقد اقتصر إحياء يوم القدس العالمي هذا العام على خطاب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تمّ التركيز فيه على الملف السوري وذلك انعكاساً لإنغماس غير مسبوق لإيران في هذه الحروب المشتعلة في سوريا.

وقبل أيام كان مستشار المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي للشؤون الخارجية الدكتور علي ولايتي قد قال في حوار مع صحيفة كيهان الإيرانية أن المرشد (أمرنا بالإبقاء على بشار الأسد في الرئاسة السورية والحفاظ عليه  ).

وفي السياق ذاته قال رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الرئيس الأسبق الشيخ هاشمي رفسنجاني في حوار مع موقع العهد الإخباري التابع لحزب الله (تمكنت سوريا من الوقوف على قدميها بمساعدة إيران والمقاومة وحزب الله ، ولكن للأسف يتم يوماً بعد يوم تعزيز قدرات الإرهاب  ).

أما السيد نصرالله فإنه لم يتطرق في خطابه إلى التكاليف التي تكبدها حزبه على المستوى البشري والمستوى العسكري جراء انخراطه في الحرب السورية دعماً لنظام بشار الأسد والتي تفوق وحسب بعض التقديرات كل ما تكبدها الحزب طوال حروبه مع إسرائيل منذ تأسيسه في العام 1982 وحتى عدوان تموز في العام 2006.

وبالطبع فإن أحداً لا يعرف متى تنتهي الحرب في سوريا ولا مدى الخسائر التي يمكن أن يتكبدها حزب الله فيها ، سيما وأنّ هناك أكثر من جهة دولية تعلن أنّ الحرب في سوريا ستستمر ولو بعد رحيل الرئيس بشار الأسد.

شخصية لبنانية ذات صلة بالشأن السوري تقول أن واشنطن تضغط كي لا ينهار نظام الأسد قبل إيجاد بديل يعبر بسوريا إلى الحل ، في حين أنّ موسكو تعمل على أن يبقى الأسد في دمشق إلى حين إنضاج التسوية.

المعلومات الواردة من الميدان السوري تشير إلى أنّ الدويلة العلوية لم تعد خياراً واقعياً للنظام السوري وحماته بعدما تبين أن المانع الديموغرافي أكبر بكثير من عمليات التطهير المذهبي التي ينفذها النظام وحزب الله على مساحة هذه الدويلة الإفتراضية ، وهذا يعني أنّ حزب الله سيبقى طويلاً في سوريا مع استمرار النزف البشري والمادي.

يبدو من الواضح بل من المؤكد أن تحرير سوريا من أهلها بالحفاظ على نظام بشار الأسد تتقدم في حسابات المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي على وصية الإمام الخميني بيوم القدس ، وعلى الأغلب فإن إحياء نصرالله ليوم الأسد هو البديل المفروض لإحياء يوم القدس.