من الخطأ التعاطي مع دعوة (رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون أنصاره للنزول إلى الشارع بإدعاء استعادة حقوق المسيحيين المهدورة  ) بكثير من الإستخفاف واللامبالاة .

فالعماد عون يحاول استغلال الغبن اللاحق بالمسيحيين نتيجة عوامل عدة ذاتية وموضوعية لفتح مواجهة مسيحية – سنية ، وفرط أركان النظام ودعائمه والذهاب إلى البحث في صيغه ميثاقية جديدة أو إلى مؤتمر تأسيسي .

ومن الخطأ كذلك المراهنة على تراجع عون أو إنكساره ، والمواجهة بينه وبين رئيس الحكومة المدعوم من تيار المستقبل كفيلة بوضع المسيحيين في أحضانه وإصطفافهم وراءه ، واستطرادا وراء حزب الله الذي لا علاقة له بالأزمة الأخيرة حتى ولو كان مستفيداً منها.

وبالتالي فإنّ عون الذي يربط بين تهميش المسيحيين وبين انتخابه رئيساً للجمهورية وتعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش كشرط إلزامي لإزالة هذا التهميش ، فإنّه على استعداد لقلب الطاولة عندما يصل إلى الحائط المسدود رئاسياً وعسكرياً ، والدخول في أي مغامرة مهما كانت نتائجها لأنه لم يعد لديه ما يخشى أن يخسره.

لذا فإنّه ليس من الحكمة في شيء رفض التجاوب كلياً مع أي مطلب عوني ، واستسهال الذهاب إلى مواجهة معه.

وإذا كان هناك من رابط بين حقوق واقعيه للمسيحيين وبين ما يطرحه عون ، فيجب قطع هذا الرابط للحؤول دون تمكين التيار الوطني الحر من الإستثمار في هذا الملف وهذا يتطلب القليل من الحكمة والليونة في التعامل مع العماد عون وذلك بعدم تحديه وعدم الخضوع لشروطه في آن معاً ، بل بإحراجه في التعيين لقائد للجيش من خلال سحب الموضوع من التداول حتى أيلول مقابل إعادة تفعيل العمل الحكومي.

ولذلك فثمة ضرورة لقطع الطريق على التحريض العوني تحت عنوان تهميش المسيحيين وتغييبهم ، والسبيل إلى ذلك هو عبر تجديد قنوات الحوار معه ، وهذا لا يعتبر نصراً لعون بل هو المنطق السليم لتجنيب لبنان هزات هو في غنى عنها .

 وما قاله عون بعد عرض عضلاته في الشارع عن تحقيق انتصار له لا يمت إلى الحقيقه بصلة لأن ما حصل كان نتيجة التسوية التي قام بها حزب الله على أساس اكتفاء الحكومة بالنقاش السياسي حول الآلية من دون اتخاذ أي قرارات مقابل تجميد التيار الوطني الحر تحركاته في الشارع ، إلا أن رئيس الحكومة لم يكتف بالنقاش بل سجل انتصاراً بتمرير مرسوم المستشفيات.

فالواقعية تقضي في تلافي المشكل لا في الوقوع فيها ، وتتطلب محاولة للتفكير بالمخارج التي تفكك اللغم العوني لا في تفجيره ، ولا يجوز التمترس وراء المواقف الجامدة التي لا تخدم إلا عون ، وتدخل البلد في أزمة لا أحد يريدها إلى درجة أن حزب الله بات يلعب دور الوسيط ويقوم بمهمة الإطفائي لأزمة كان يمكن أن تنفجر في الشارع .