ليس هناك حتميات في التاريخ الديبلوماسيّ خصوصاً في «اللحظات ما قبل الاخيرة». هناك «رغبات انجاز» لكنه شأن آخر. وطالما أن الاتفاق النهائي بين ايران ومجموعة الدول الست لم يخرج الى النور بعد، مع أنه تخطى المهلة المحددة في اتفاق الاطار، اكثر قليلاً مما تخطى اتفاق الاطار المهلة المحددة له بدوره، فإن مسحة التفاؤل الحذر التي عكسها وزير الخارجية الأميركية جون كيري في مؤتمره الصحافي بفيينا أمس، في أعقاب لقاءه مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف وسلسلة محادثات محمومة وطويلة، ينبغي أن تؤخذ بعين الحسبان، بلا تأويل اضافي سلباً أو ايجاباً، ولا تفسير زائد. 

لا يعني هذا تغيير منظار المتابعة. الأرجح يبقى اقرار الاتفاق في مدة معقولة من التجاوز لموعده المحدّد، لكن احتمال التصلّب، خصوصاً الايراني، وعلى قضايا مراقبة التنفيذ والتفتيش، وهذه أكثر حساسية حتى من روزنامة رفع العقوبات وتدمير المنشآت، من الممكن أن يدفع في الاتجاه السلبي. التوقيع أكثر رجحاناًً لكن الوصول اليه ليس من دون صعوبات، وهذه الصعوبات ليست دلعاً أو تشويقاً في الساعة الأخيرة. انها صعوبات جدية ومن الممكن ما لم يجر تذييلها أن تنفس كل الاتفاق، خصوصاً وان الجانب الاميركي بات مقتنعاً بأن المسألة لم تعد «تقنية» مع الايرانيين، بل تتعلق بالقصدية نفسها: «هل يستطيعون الاتفاق؟« 

لما حاول ادخاله كيري كمعادلة بالأمس، هو ان «الوقت حان» لانهاء المفاوضات. ما يعني انه لن تكون «فترة تفاوضية تمديدية» متفق عليها اذا مرّ الأسبوع الحالي ولم يوقّع. 

جمل كيري كانت ملتبسة، لكنها في الواقع التباسات اللحظة. كان دقيقاً في القول بأنه توصل مع ظريف الى النقطة الأقرب للاتفاق من أي وقت مضى، لكنه استدرك بأن المفاوضات مفتوحة على كل احتمال، وانه ان لم تذيل العقبات الجدية المتبقية هذا الاسبوع فلن يحدث اتفاق. 

ومن دون الرغبة في التفسير الزائد لكلام كيري، فان وزير الخارجية الأميركي يكاد ان يقول بأنه وصل مع ظريف الى اقصى نقطة يمكنه اصلاً ان يصل اليها هو وظريف، ويبقى بالتالي موقف المرشد علي خامنئي والجماعة الحرسية الحاكمة في ايران، فهذه لا يزال ضغطها على المفاوض الايراني منصبّاً اولاً على اطالة فترة ما بعد انتهاء الموعد المحدد للابرام، قدر الامكان، وهي تراهن على تزايد الضغوط على الادارة الاميركية الحالية من الكونغرس ومن الشرق الاوسط على حد سواء بحيث تنضاف أشهر اضافية من المد والجزر، واذا كان ممكناً حتى نهايات السنة الحالية، ما يتيح لايران كسب المزيد من النقاط الزمنية في مشروعها النووي، وكذلك الاستثمار أكثر في حروب الاقليم. 

الاميركيون لا يستطيعون معرفة اذا كان المرشد يمكنه ان يوقع اساسا اتفاقاً نهائياً من وحي اتفاق الاطار الذي اذاع الجانب الاميركي خطوطه الاساسية، واحتفل به انصار ايران عندنا كانتصار، في وقت تعامل معه المرشد بفتور اقرب الى السلبية، والاهم بتردّد حياله، وتفضيل للتأجيل قدر الامكان. 

الجانب الاميركي يقول اليوم: لا تأجيل (لا يعني انها الكلمة الاخيرة). فاما اتفاق هذا الاسبوع او تراجع سلبي عام في المسار الايراني الغربي. وبالتأكيد هذا الموقف الاميركي جزء كبير منه هو لممارسة الضغط على الايرانيين، لكن جزء غير يسير منه ايضاً مصدره عدم فهم ما الذي يريده المرشد في نهاية الامر. 

في حال وقع الاتفاق هذا الاسبوع فمن الصعب التكهن بتداعياته المباشرة على الشرق الاوسط والحروب المشتعلة، وان كان توقيعه سيتيح المجال اكثر للتداول الدولي مجدداً في نوعية السياسة الجديدة الواجبة تجاه تنظيم «الدولة الاسلامية» (المسألة السورية صارت ملحقة بهذه المسألة). لكن اذا ترنّحت فرصة الاتفاق هذا الاسبوع، وهذا محتمل بجدية، وان لم يكن راجحاً، فإن درجة استعصاء تنظيم «داعش» على العالم أجمع، ستكبر وتكبر.