لا يخطر على بال الكثيرين  أنّ خلف هذه المقابر ، وفي هذه المنطقة النائية نوعاً ما ، يوجد "مدرسة" من أهم مدارس طرابلس ، غير أنّ الواقع مخالف تماماً ، فبمحاذاة مدافن الغرباء تقع مدرسة "طرابلس الرسمية للبنات " أو كما يسميها أهل المدينة "ثانوية الغربا" ...

 

هذه المدرسة التي حصدت هذا العام في إمتحانات الشهادتين المتوسطة والثانوية نسب نجاح عالية وملفتة ، جعلت الأنظار تتجه إليها ولمديرتها .

فنتيجة المدرسة في الشهادة المتوسطة كانت 87 % ،  وفي الشهادة الثانوية 82 % في فرع الإقتصاد والإجتماع و 86 % في فرع العلوم العامة ، فضلاً عن التقديرات المتعددة التي حصدتها الطالبات ، إذ عدد لا يستهان به قد نال تقدير "جيد جدا" و "جيد"

 

 

نتائج هذه المدرسة جعلتنا نتوقف عندها ، فهي في "أيام الخير" كانت تتضمن أغلب الطالبات من المناطق الشعبية والفقيرة والتي لا تولي أهمية كافية للعلم .

فكيف الآن في ظل ما مرّت به من ظروف أمنية على سنوات متتالية ، فضلاً عن إنفجار مسجد التقوى "بمحاذاتها" ، الأمر الذي ألحق بمبناها أضراراً جسيمة  ، وأضّر بمستواها التعليمي نظراً لعدم المقدرة على إعطاء الطلاب البرامج كاملة .

 

هذه النتائج التي بهرتنا هذا العام في ظلّ كل ما ذكر من ظروف نفسية وأمنية وإجتماعية وأكاديمية ، جعلنا نتوجه كموقع لبنان الجديد لمقابلة مديرة المدرسة السيدة زوات الحسيني ، للتحاور معها في السبل التي إعتمدتها لإعادة النبض التعليمي الذي إفتقدته المدرسة لعدة سنوات .

لدى دخولنا إلى المدرسة لفتنا "مكتب المديرة " ، ففي السابق كان لإدارتها مكتب مستقل عن الصفوف وعن الإحتكاك بالطالبات ، وكانت كل المشاكل تنقل من الناظرات للناظرة العامة ، فيما المديرة تظل في "برجها المكتبي" بعيدةً عن الشوشرة التعليمية .

بينما السيدة زوات قلبت هذا المعيار ، لتتخذ مكتباً بسيطاً بين الطلبة يمكنها من متابعة "كل شاردة و واردة " ، عفش المكتب بسيط لا يزيد عن مكاتب الناظرات ، غير أن المديرة التي جلست عليه جعلته من أهم المكاتب بما قدمته من إنجازات .

 

لدى إستقبالها لنا ، إستشعرنا الفرح الذي يتملكها لنجاح طالباتها أو بناتها "كما تحب أن تسميهن " ، في المكتب لوحات بريشة التلميذات ، وشهادات تقدير معلقة ، وتفتخر بها السيدة زوات ، هي شهادات ليست من جهات رسمية هي من طالبات ، أحبتهن فأحببنها لتتوج السنة بنجاح أصبح حديث الساعة .

 

 

السيدة زوات بدأت مهمتها الإدارية في العام التعليمي (2013 – 2014 ) وفي العام الذي سبقه كانت ناظرة ، وعن الوضع الذي إستلمت به المدرسة تقول أنّ عوامل عديدة أثرت وسنة 2010 كان القاضية على هذه المدرسة التي سبق ومرت بمرحلة ذهبية .

ومن النتائج التي ترتبت تحت تأثير العوامل ( سيما الأمنية) ، عدد الطالبات الذي كان يفوق الألف طالبة بينما هو الآن 370 ، حيث أن المدرسة كانت سابقاً تستقطب طالبات من العبدة والمنية والقبة وسائر المناطق ...

بينما بسبب الظروف التي مرّت قاموا جميع من هم من مناطق بعيدة بنقل بناتهم .

 

أما عن مناطق الطالبات حالياً فهم أغلبهم من التبانة ونسبة قليلة من الزاهرية .

 

هذا الإنتماء المناطقي للطلاب "برأيي" يجعل ما قدمته هذه المدرسة من نسب مرتفعة إنجاز ، فالتبانة ناهيك عن ظروفها الأمنية التي عانتها والتشرد والدمار ، غير أنّها منطقة تعاني من فقر مدقع ومن لا مبالاة بالتعليم .

وأغلب أهاليها يرسلون البنات للتعليم "تحصيل حاصل" .

 

لذا وعند سؤالنا عن الخطوات التي  إعتمدتها السيدة زوات لتحقيق هذه النهضة التعليمية في الثانوية ، أخبرتنا أنه منذ ثلاث سنوات وبسبب الظروف لم تأخذ الطالبات برامج تعليمية جيدة ، وقالت لنا أنها إتبعت خطة إنقاذية قوامها :

الإدارة ، الهيئة التعليمية ، التلميذ ، الأهل

هذه الخطة كانت قائمة على حلقة متكاملة ، وقالت السيدة زوات الحسيني ، أنه على مستوى الطالب تمّ العمل على "جعل قيمة للنجاح" و مراقبة المسابقات لتكون ذات مستوى يتناسب والمرحلة التعليمية ، وتضيف : " بدأنا المسابقات منذ ثاني أسبوع ، وكان لا بد من تقرير على كل مسابقة ، وخلال شهر ونصف كان هناك مسابقات في كل المواد وقارنت بين النتائج ، فالطالبة الضعيفة قمنا بتقويتها بدعم ومراجعات "

كما و وضحت لنا ، أنه حينما بدأت الطالبات يعلمن معنى النجاح وأهميته ، أصبحت دراستهن جدية .

 

أما على مستوى الأهل ، فأخبرتنا أنها كانت تتحدث معهم بإستمرار وتطالبهم بالمراقبة والمتابعة مع الإدارة والأساتذة في كافة التفاصيل .

وتضيف السيدة زوات ، أن ضبط النظام أيضاً كان له دور إيجابي ، حيث أنّها عند نهاية الدوام كانت تقف عند البوابة الخارجية وتتابع الطالبات إلى أين يتجهن ، وأثناء ذلك كانت تجري حوارات بينها وبين الأهالي وقد تمكنت من التأثير عليهم بشكل ملحوظ ، والجدية بالعمل إنتقلت إليهم  .

فالأهالي حينما وجدوا الإدارة مهتمة بادلوها الإهتمام .

وتؤكد لنا أن تجاوب الأهل كان بشكل ملفت "شكل صدمة "

 

وعلى مستوى الأساتذة إعتمدت السيدة زوات مبدأ الرقابة والتحفيز والمواجهة ، حيث أنّه بالنسبة إليها لا يوجد طالب ضعيف ، كما أخبرتنا أن جو من المنافسة خلق بين الطاقم التعليمي طاقة لتقديم الأفضل ، مما أثمر النتائج التي تحققت هذا العام .

 

وعند سؤالها أنّه في كل المدارس الرسمية هناك عدد من المعلمين غير قادرين على منح النتائج وعن الأسلوب الذي اعتمدته بالتعامل معهم حيث أنها مدرسة رسمية وهم من الوزارة يأتي تعيينهم  ،

قالت ، أنّها لم تكن تسلمهم الصفوف المهمة أي التي تسبق الشهادة أو تليها ، بل كانت توكل إليهم الصفوف الأقل ضرراً ، وتحرص على المتابعة المتابعة لسير الأداء في الصفوف هي والمنسق ، مشيرةً إلى  أن التنسيق قد لعب دوراً فعالاً ، حيث أنّ حضورها والمنسق الصفوف بصورة دورية ومستمرة لمتابعة العمل التربوي والتعليمي ، إستطاع أن يحسَن من الأداء ، وإن لم يصل للدرجة التي تسعى إليها المدرسة غير أنّه يظل أفضل من العدم .

 

 

 وتضيف السيدة زوات أنه في الشأن التعليمي لا تساهل ، المسابقات يجب أن تأتي مطبوعة ، وأنها كانت تعتمد أسلوب الدعم " Fiche de revision " .

و كانت تتابع بإستمرار المسابقات والتقارير ، مشيرة إلى أن عملية التقييم المستمر هي الأهم في العملية التربوية .

كما وتؤكد لنا السيدة زوات أنّها لم تغلق على الطالبات فعلى الرغم من التعليم والنتائج الباهرة قد تكلل العام أيضاً بأنشطة عديدة قامت بها المدرسة منها :

-         تشجير مع جمعية بوزار لجبال الأربعين

-         رحلة علمية – ترفيهية لجعيتا وأسواق جبيل والمتحف
(وفي خلال رجلة جعيتا قامت المديرة بشرح درس
chimieللطالبات ، والتحاور معهن وهو reaction chimique )

-         المشاركة في مسابقة مبدعون ( الطالبة ريان خضر حققت المرتبة الثانية في الشمال ، وهي التي حققت تقدير جيد جداً في الشهادة الثانوية علوم عامة )

-         المشاركة في فن الخطابة

-         المشاركة مع البلدية في فرقة إيقاع فلكلوري



أما على صعيد الرياضة فقد حصدت المدرسة كأسين في كرة القدم وفي كرة السلة .

 

أما عن مقارنتها بسائر المدارس (حيث هناك مدارس نسبتها 100 % ) ، تقول السيدة زوات الحسيني ، لا تقارنونا بغيرنا ، فالظروف الإجتماعية تختلف ، بيوت عدد لا يستهان به من الطالبات إحترق أكثر من مرة ، الكتب إحترقت وكنا نستغرق عدة أيام لتأمين البديل .

وتضيف قائلة ، أنّ قسم كبير من الطالبات يتامى أو أحد أفراد الأهل مصاب بإعاقة جرّاء الظروف الأمنية ، فضلاً عن أن المدرسة بعد التفجير تأثرت وكان يتم التعليم تحت ضجة الإصلاحات ...

وأخبرتنا أنّ طالبات المدرسة هن من الطبقة الكادحة والمتعبة ، فقد أتاها عدد غير قليل من الطالبات لا يجدن كتابة الإسم ، وهي كانت تقبل تسجيلهن (فهي لا ترفض ولا طالبة تريد أن تتعلم ) ، وتؤكد أن التحدي الحقيقي هو أن تجعل من الطالب الضعيف طالب متفوق وأن تزرع به عزيمة العلم والتحدي ...

كما وأخبرتنا عن إستقبالها لتلميذة مقعدة رفضتها سائر المدارس ، فهي سجلتها وقام بنقل الصف للطابق الأرض تسهيلاً لها .

 

وتؤكد أن المحبة هي الأهم وأنها تحب كل الطالبات وجميعهن بناتها ، وجزء منها  ...

 

كما تطالب كل طالبة تريد أن تتعلم مهما كانت ظروفها  أن تأتي إليها فمدرستها لا ترفض طالبات ولا تشترط عليهن شروط العلامات المتفوقة للتسجيل ، وتقول "ثانويتنا مفتوحة للكل " .

 

 

إن أسس نجاح العمل الإدارة بالنسبة للمديرة زوات الحسيني هي التكامل ، والمدرسة قد حققت بفضلها هذا التكامل ، فمن يقابل السيدة زوات يتيقن أنها حينما تقول كل الطالبات طالباتي ، تعنيها ، قلباً وقالباً ، وأنّ الطاقات التي أشارت إليها ستثمر أكثر وأكثر ...

 

أما بالنسبة للمتسائلين عن سر تسليط الضوء عن هذه الثانوية دون غيرها ، نحن كموقع لبنان الجديد نقول :

جميل جداً أن نحافظ على النجاح ولكن الأجمل والأجمل ، أن نخلق النجاح وبفارق نوعي ...

وهذا ما حققته ثانوية طرابلس الرسمية للبنات بمجهود مديرتها السيدة زوات أولاً وبالتكامل الذي حققه الطاقم التعليمي ثانياً ..

وبإرادة الطالبات وتعاون الأهل ثالثاً !

 

اليوم طرابلس فخورة بما حققته "مدرسة الغربا" ... ويحق لها أن تفخر .